الطريق
الأحد 8 سبتمبر 2024 09:33 مـ 5 ربيع أول 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
إغلاق مستشفي دار الإسراء بالوراق لمخالفتها اشتراطات التراخيص.. صور رئيس الوزراء يلتقي وزير المالية لمتابعة ملفات عمل الوزارة الفرافرة تستقبل 120 مشاركًا للتدريب على أدلة الصحراء رئيس جامعة دمنهور يشهد فعاليات ختام النسخة الثانية من دورة إعداد المدربين T.O.T باعتماد المجلس الأعلى للجامعات محافظة الجيزة ترفع 600 حالة إشغال للمحال والمنشآت التجارية بشوارع العمرانية بدء أعمال لجنة تقييم المشروعات المشاركة في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية بالجيزة بطاقة استيعابية ٢٥٠٠ طالب.. المدن الجامعية بطنطا جاهزة لاستقبال الطلاب في بداية العام الدراسي الجديد طلاب جامعة قناة السويس يؤدون امتحانات الفصل الصيفي بمناسبة عيد الفلاح.. محافظ القليوبية يتفقد عددا من الصوب الزراعية محافظ القليوبية يوجّه بتنفيذ حملات لإزالة الطوابق العلوية المخالفة بمنطقة الفلل ببنها افتتاح معرض مستلزمات المدارس للعاملين بشركة بتروتريد محافظ البحيرة تتابع سير العمل بالميكنة الزراعية بدمنهور

تامر أفندي يكتب: ميت وثلاث جنازات

كنت قد شرعت في قراءة وكتابة "مشاهد من جنازة العقاد".. فقد شغلني أن أرصد ردرود أفعال المُشيعين على رجل "عظيم الشأن" مثله.. بعد كل هذا المشوار من العلم والثقافة والسياسة.. بعد كل تلك التساؤلات والمناظرات.. وفجأة جاءني نبأ وفاة أحد الأصدقاء.. مات فجأة كما مات أبي فجاة، لكن للحق لم يباغتني الموت حين مات أبي فقد جاءني لشهور قبلها، كنت أتخيل ما سيحدث وأبكي ليلاً بشدة وأرتب الأحداث التي يجب فعلها إذا جاءت تلك اللحظة، التي كنت أدعو الله ألا تأتٍ، لكن أمر الله نافذ..

وحينما جاءت تلك الحظة تحركت كمن يٌقدم عرضاً تدرب عليه حتى حفظه.. لم أبكٍ حينها.. لا تعوداً على المشهد من كثرة "البروفات"..! ولكن لأنني ما أردت أن أتسبب في أي قلق لأبي حتى في "قبره".

منذ مات أبي وأنا أهرب بعيداً عمن أحبهم.. لا أريد تكرار هذه "البروفات" وذلك المشهد.. أتجنب قراءة "بوستات الوفاة" والسؤال عن الجنائز.. لا أسأل عن أخبار من أُحب حتى أُبقيهم دائماً أحياء.. وحينما أرى أسماءهم على شاشة هاتفي يخفق قلبي.. يرتجف.. وترتعش يدي.. وأصمت حتى أتأكد أن المتصل ليس شخصاً غريباً وإنما هو صاحب الاسم.. ما بين فتح الخط وأول حرف، تجربة موت جديدة أعيشها.

يتسلل بعض الأشخاص إلى الروح، رغم ما أخذت عليها من عهدٍ، يسكنوها وفجأة يأتيهم ملك الموت فيأخذوا معهم قطعة من روحي.. أعاود البكاء وأؤدي في كل مرة المشهد الذي أهرب منه جبراً.. فجأة كل شئ سوف يروح.. سوف يروح بلا عودة.. كل المعاني.. كل الأفكار.. كل العلاقات.. كل الناس..

في "بروفات الوداع" كان يروق لي ما فعله "كامل الشناوي" في جنازة العقاد، إلا أنه في يوم العرض، أجد روح "أنيس منصور تلبستني".. إنها لبراعة لا يمتلكها إلا القليل.. هؤلاء الذين يستطيعون تحويل "الموت" إلى "نكات".. أهم يقصدون ذلك.. أم أنه نوع آخر من البكاء..! لكنه بكاء تخطى حدود الألم ووصل إلى السخرية!.. أم أنها حالة لا مبالاة.. فما الحياة؟.. وما نحن؟.. ما جدوى كل هذا الركض!..

أحاول أن أصرف ذهني عن نبأ وفاة صديقي واقرأ بصوت مرتفع:

«: إنني أتخيل العقاد إذا جاء الملائكة يحاسبونه فإنه سوف يشخط فيهم قائلا: من هؤلاء الذين جاءوا يحاسبون العقاد؟.. بل أنا الذي أحاسبكم .. تعال يا ولد أنت وهو، على أي أساس يدخل الناس الجنة والنار.. ثم كيف أدخلها مع شوق وطه حسين وعبد الرحمن الرافعي

قبل رحيله بساعات غار "العقاد"، من بائع البطيخ الذي يناد في الشارع.. تمنى لو لم يكن له عقل.. أخذ آخر رزقه من الضحكات فقال: "لم نسمع أن حمار مات بالشريان التاجي".

أتذكر اللحظات التي جمعتني بصديقي وكم كانت ابتسامته تملأ الدنيا، أتذكر شكواه من سوء الحال قبل أن يمحي ضيقه بممحاة الاستغفار ويكتب بدلاً منها في كل مرة عبارات الحمد، أتذكر أبي وهو يضع رأسه في حجري وكأن الضيق بين كفي صار كاتساع العالم.

أعاود القراءة وأنا أبكي: «سكت الأستاذ، ونظر إلى علب الأدوية وبقايا الحقن ... وكومة الروشتات، ثم مط شفتيه قرفاً .. وحاول أن يجلس فلم يتمكن.. وقال ضاحكاً: يا مولانا.. حاولت أمس أن أصفى حسابي مع الحياة كلها، فساءلت نفسى: والآن ما معنى هذه الدنيا؟ .. وانتهيت إلى أنه: ليس لها معنى واضح.

وتساءلت: وهل لهذه الدنيا حكمة؟ وأجبت: حكمة ما.. وتساءلت: لو وقفت لقمة في حلقى ولم أجد كوباً من الماء أو أحداً يساعدني على أن أذهب إلى دورة المياه، فهل هذه الكتب الموجودة في بيتي تساعدني على ذلك؟.

طبعا لا يوجد كتاب يساعدني على شيء... فالكتاب لكي يساعدك لابد أن تكون أنت قادراً على أن تذهب إلى الكتاب، على أن تفتحه وأن تفهمه .. وبغير ذلك فلا فائدة من الكتب .. إذن فلا فائدة من هذه الكتب ، والله لا فائدة يا مولانا.

على مسرح التمثيل بالموت يهزل! وأنا الآن يامولانا على مسرح الموت وأسخر من الموت.. أو أمثل هذا الدور..لأنه لا حيلة لنا في حياتنا أو في موتنا.. وأقصى ما نستطيع هو أن نمضى في التمثيل.. نمثل أننا أحياء.. ونمثل أننا نسخر..

لماذا الذين نُحبهم جداً يموتون.. لماذا نُحب من يموتون.. لماذا من الأساس نُحب إذا كان من نُحبهم سيموتون!

اقرأ.. لأنه ليس هناك شئ أملكه غير أن اقرأ.. اقرأ حتى أمضغ مرارة الأيام.. اقرأ حتى لا أدع مجالاً لعقلي أن يتسكع في شوارع الحياة.. أقرأ لأٌعيد من مات إلى الحياة فانتزع الفجأة من الرحيل.. وأعاود توديعهم وداعاً عادياً.. اقرأ لأنني أكره أن أكون بينكم أكرر نفس اللحظات وحديث الجنازات..

أٌقلب الصفحة فاقرأ: «ضبطت نفسى متلبسا بإحساس غريب.. فقد لاحظت أنني لا أريد أن أرى الأستاذ.. ولا رغبة عندى في الذهاب إليه.. واندهشت لهذا الشعور العجيب . ولكن المعنى الذي اهتديت إليه هو أنني أحست أن الأستاذ قد انتهى.. وليست له حاجة بأحد من الناس.. فلماذا نذهب إلى الأستاذ الذي لم يعد..! ولم أجد لهذا المعنى سببا واضحاً! هل سببه حقيقة أن الرجل قد غاب، وأننا أيضا غائبون .. أو أنها حالة من اليأس عندنا نحن..وما دمنا في حالة يأس فكل شيء سواء: الذهاب أو عدم الذهاب.. والطب والحب..!.