الطريق
الإثنين 8 يوليو 2024 01:51 مـ 2 محرّم 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

تامر أفندي يكتب: ”إفيه لم يعد صالحاً للاستخدام”!

تامر أفندي
تامر أفندي

وأنا أتابع الجدال حول دكتوراة الوزير والوزيرة، خطر على بالي الإفيه الشهير لـ«عادل إمام» في مسرحية «أنا وهو وهي»، الذي تفجرت من جرائه الضحكات لسنوات، ولم أكن أدري ما قيمة هذا "الإفيه" وما سبب هذه الضحكات عليه إلا بعدما رأيت البكاء والنحيب على بلد "لم تعد بتاعت شهادات".. الحكايات بين أنا وهو ومصر كثيرة.. والأحزان طويلة والابتسامات القليلة باتت ذكريات.

هذا "الإفيه" الذي لم يعد صالحاً للاستخدام، لكنه من وجهة نظري يُلخص سنوات كثيرة عشناها، ننحدر في هوة عميقة من الفساد والمحسوبية حتى وصلنا إلى القاع.. دخل رأس المال في كل شئ فأفسده وأخطر ما أفسده فأفسد الوطن هو "التعليم".

"وإيه يعمل التعليم في وطن ضايع!"..
استنكار أو استفهام، يلزم الإجابة عليه الآن بعدما استتب الأمن في مصر وأنشأنا شبكة تحتية وطرق، وبات لزاماً علينا إنشاء شبكة علمية وتمهيد السُبل لها.. هذا الاستنكار ربما أجاب عليه رجل كان "أمي" علم نفسه على "كبر" واهتم بالتعليم فأسس نهضة مصر الحديثة التي نهدمها الآن بتطبيق نظرية علاء الدين في مسرحية "حكيم عيون"، "عايز تبقى دكتور، ألبس البالطو".. لا أحد سيناقشك فيما تعلمته بإمكانك شراء أي تعريف يسبق اسمك.. ومن يستطيع شراء ذلك من المؤكد أنه من أصحاب البيزنس في هذا المجال.
هل أنت من أصحاب الأبونيه؟
أعود معكم إلى حديثنا عن التعليم.. ليس لدي مشكلة أن يكون هناك تعليم خاص على أن يكون تنسيقه بالدرجات قبل الدولارات.. فالإشكالية ليست في الألقاب ولا الشهادات، لكن في خصصت وشراء طريق الحياة الوحيد أمام الفقراء والطبقة المتوسطة.. فالتعليم كان السبيل الوحيد لأبناء تلك الطبقات أن يلحقوا بالعربة الأخيرة في قطار الحياة.. وعلى قدر اجتهادهم ونجاحهم يستطيعوا التنقل بين العربيات حتى يصلوا إلى غرفة القيادة.. لكن ذلك كان.. كان ولم يعد.. ولن يعود.. فمحصل القطار لا يعترف بالشهادات ولا بالأسماء على أغلفة الكتب ولا حتى بمنطوق الكلمات.. لا بالحكمة ولا بالمعنى.. قطارات الحياة هنا لأصحاب "الأبونيه". "
بمنطق القطارات وأصحاب "الأبونيه" تعالى نراجع تعداد السكان الحقيقي في مصر، سنجد أنه ليس كما يدعي مركز الإحصاء أنه 120 مليون، لكن حسب إحصائية تلك القطارات على أقصى تقدير 100 ألف أحياء والباقي موتى ومشيعين على أمل الحياة لكنهم أقرب إلى الموت.
دعنا من القطار قليلاً وتعالى إلى الخيال لنلحق منه القليل، لأنهم بعد أن احتكروا الواقع، بدأوا الإعلان عن شراء حصص الخيال.. وبعد عدة سنوات لن تستطيع حتى أن تتخيل، فبعض أصحاب "الكومباوندات" الآن يُحرمون على عمال النظافة في القطارات البقاء بعد الخامسة، لأن شعب الله المُختار حينما يستيقظ لا يريد أن يتأذى بمشاهدة الرعاع..

لم نصنع حاضراً لنتخيل مستقبله، إذاً ليس أمامنا سوى أن نجتر الذكريات ربما قفزنا بها من الماضي إلى المستقبل ونسينا ما خلفه الحاضر في أرواحنا من هزائم وجراحات.

أعود معكم للحديث عن حبة القمح التي يريدها الفقير.. عن السطر.. عن تذكرة الحلم التي تجعله يركب قطار الحياة.. عن الأمل.. عن التعليم.. التعليم لا "البيزنس ولا تجارة البشر".

يقول عبد الراحمن الرافعي، في كتابه "عصر محمد علي"، الصادر عن دار المعارف: "عنى محمد على بنشر التعليم على اختلاف درجاته من عال وثانوى وابتدائي ، ويتبين من مقارنة تاريخ المنشآت العلمية أنه عنى أولاً بتأسيس المدارس العالية وإيفاد البعثات، ثم وجه نظره إلى التعليم الابتدائى، ونعم ما فعل ، لأن الأمم إنما تنهض أولا بالتعليم العالى".

ويتابع الرافعي شارحاً سبب بدء محمد علي نهضته التعليمية بالتعليم العالي بأنه قد أراد بادئ الأمر أن يكون طبقة من المتعلمين تعلماً عالياً، يستعين بهم في القيام بأعمال الحكومة والعمران في البلاد، وفى نشر التعليم بين طبقات الشعب، وهذا هو التدبير الذي برهنت التجارب على أنه خير ما تنهض به الأمم، وقد ساعد على تكوين طبقة تعلمت تعلماً عالياً قبل إنشاء المدارس الابتدائية والثانوية، أن الأزهر كفل إمداد المدارس العالية والبعثات بالشبان المتعلمين الذين حازوا من الثقافة قسطاً يؤهلهم لتفهم دروس المدارس العالية في مصر أو في أوربا ، فكان الأزهر خير عضد للتعليم العالى".
ويقول "الجبرتي" أن أول مدرسة أنشأها محمد علي، كانت مدرسة الهندسة، وظاهر مما ذكره الجبرتي في حوادث ۱۲۳۱ه (۱۸۱٦م) أن أول مدرسة للهندسة بمصر يرجع عهد تأسيسها إلى تلك السنة، وذلك أن أحد أبناء البلد، على حد تعبير الجبرتي واسمه حسين شلبى عجوة ، اخترع آلة لضرب الأرز وتبييضه، وقدم نموذجها إلى محمد على، فأعجب بها وأنعم على مخترعها بمكافأة، وأمره بتركيب مثل هذه الآلة في دمياط، وأخرى في رشيد، فكان هذا الاختراع باعثا لتوجيه فكرة إلى إنشاء مدرسة للهندسة، فأنشأها في القلعة.
قبل أن أختم معك حديثنا القصير هذا عن إفيه عادل إمام وقانون علاء ولي الدين للتعليم سأترك لك سطوراً مما قال عنها رفاعة الطهطاوي أنها كانت رسالة محمد علي إليهم في فرنسا":
"الكرام الأفندية المقيمين فى باريس لتحصيل العلوم والفنون زيد قدرهم، قد وصلنا أخباركم الشهرية، والجداول المكتوب فيها مدة تحصيلكم، وكانت هذه الجداول المشتملة على شغلكم ثلاثة أشهر مبهمة لم يفهم منها ما حصلتموه في هذه المدة، وما فهمنا منها شيئا، وأنتم في مدينة مثل مدينة باريس التي هي منبع العلوم والفنون، فقياساً على قلة شغلكم في هذه المدة عرفنا عدم غيرتكم وتحصيلكم، وهذا الأمر غمنا عما كثيرا، فيا أفندية ما هو مأمولنا منكم، فكان ينبغى لهذا الوقت أن كل واحد منكم يرسل لنا شيئا من ثمار شغله وآثار مهارته، فإذا لم تغيروا هذه الباطلة بشدة الشغل والاجتهاد والغيرة وجئتم إلى مصر بعد قراءة بعض كتب فظننتم أنكم تعلمتم العلوم والفنون فإن ظنكم باطل، فعندنا ولله الحمد والمنة رفقاؤكم المتعلمون يشتغلون ويحصلون الشهرة، فكيف تقابلوهم إذا جئتم بهذه الكيفية وتظهرون عليهم كمال العلوم والفنون، فينبغي للإنسان أن يتبصر في عاقبة أمره، وعلى العاقل ألا يفوت الفرصة وأن يجنى ثمرة تعبه، فبناء على ذلك أنكم غفلتم عن اغتنام هذه الفرصة، وتركتم أنفسكم للسفاهة ولم تتفكروا في المشقة والعذاب الذي يحصل لكم من ذلك ولم يجتهدوا في كسب نظرنا وتوجهنا إليكم لتتميزوا بين أمثالكم، فإن أردتم أن تكتسبوا رضاءنا فكل واحد منكم لا يفوت دقيقة واحدة من غير تحصيل العلوم والفنون، وبعد ذلك كل واحد منكم يذكر ابتداءه وانتهاءه كل شهر، ويبين زيادة على ذلك درجته في المهندسة والحساب والرسم وما بقى عليه في خلاص هذه العلوم ، ويكتب في كل شهر ما يتعلمه في هذا الشهر، وإن قصرتم فى الاجتهاد والغيرة فاكتبوا لنا سببه، وهو إما من عدم اعتنائكم، أو من تشويشكم، وأى تشويش لكم، هل هو طبيعي أو عارض، وحاصل الكلام أنكم تكتبون حالتكم كما هي عليه حتى نفهم ما عندكم، وهذا مطلوبنا منكم، فأقرأوا هذا الأمر مجتمعين وأفهموا مقصود هذه الإرادة».

للحديث بقية..