الطريق
الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 12:33 صـ 20 ربيع أول 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

تامر أفندي يكتب: بول فاليري والحلاج ومحاورة الشجرة

تامر أفندي
تامر أفندي

أصبحت اقرأ بنهم جائع، اقرأ في كل شئ.. لم يعد يشغل بالي الآن "مقابل لعمل" أو محاولة تحسين دخل، أو استنزاف المتبقي من الوقت في الركض دون فائدة أو دخول أية مناقشات أو إعادة محاولة دخول انتخابات أو عدم اكتمال النصاب القانوني للصندوق.. أو التطرق إلى ما يجري في الواقع الافتراضي من "محاكمات وإدعاء مثالية وإثبات أن ماء النيل نظيف ببيان تجربة الشرب من الحنفية، ولا من قال ماذا لمن؟.. ولا من ركب قطار «العن عن»!، ولا بإرشادات المتطوعين والمطنتعين الواصفين الطريق إلى الله.. فأنا أقول "الله" كفعل وليس كرد فعلٍ على ما تثمل به الحواس.. وأؤمن أن الوصول إليه لا يكون إلا به.

لم يعد يشغلني السخط على مٌدعي الفهم.. ولم أعد منافساً على حلبة الحياة لا في جولة عمل ولا رزق ولا حب ولا حياة.. خالي الوفاض متخففاً من كل شئ.. "كل شئ كان باطلاً إلا أنا وأول درجات الحق أن حب ذاتي.. فلكم أهملت..!.. فيا أنا: «كل شئ باطل إلا ما أخلص به بنفسي.. لذا يجب أن يكون لي روايتي الخاصة، وما سقيايا من روايات الآخرين إلا لأخلقها يوماً ما كاملة غير مشوهة.

ما من معجزة يا تيتير، وما من أعجوبة إلا استطاع الفكر إذا شاء أن يحصرها.
تيتير: لست أدري.. كلامك غامض عندي يا لوكريس.

أنا سأفسر لكم ولـ«تيتير» ما حدث، وخاصة أن الفضل في توحشي للقراءة في الفترة الأخيرة هو "بول فاليري" خالق هذين الشخصين في رائعته محاورة الشجرة.

كنت أبحث عن كتب لتتبع نشأة الحركة الصوفية فوقعت عيناي على سيرة "الخراز" و"التستري" ثم "الجٌنيد" والحلاج".. ولأن هذه الكتب ليست خفيفة على الروح مثل "الشعر والروايات، تحتاج في متخللات الراحة أن تعرج إلى ما يفض "الزحام في رأسك" ولأنه ما عاد لدينا كٌتاب ينسجون الحرف يدوياً وكأي مهنة خضعت لتغيرات ومستحدثات العصر من "القص واللزق" لن ترى على "حوائط" صفحات الرأي أو السوشيال سوى عبارة "هذا مقالي" ومعظم "التعليقات ما بين "الله ينور".. فلا الكاتب كتب.. ولا القارئ قرأ.. وفي كل مرة أرى هذه الحالة أسأل نفس السؤال في زمن راحة العقول هذه.. من الخاسر؟.. تلك معضلة تحتاج حكايات أخرى.. «وربما وجدت تلك التعليقات على هذا المقال ووجدتني أرد كحادي تائه في الصحراء فقد ونس الصوت فتمنى صداه».

كنت أقول لكم أنني عُدت لأتتبع تاريخ الصوفية التي ظهرت في القرن التاسع وشهدت تطوراً من مجرد لفظة مستخدمة محلياً للإشارة إلى "لابسي الصوف" إلى طريقة معرفية مفصلة في عدد متزايد من النصوص، ثم إلى تقليد حاز على التمكين، ثم إعادة إنتاج سياسي "أفسد وجه الحليب".. وأحاول جمع المعلومات ومصادرها لأصيغها في حلقات سهلة للقارئ منذ نشأتها إلى الآن مٌتعرضاً لأهم رموزها وخاصة أن بعضاً منهم اختفى من أفاق التوثيق التاريخي لها في رحلاته التي عاشها، وظهرت حكايته فقط في عاصمة الأدب "بغداد".

وللحلاج أهمية كبرى في تاريخ الصوفية، إذ أنه كان أول صوفي بارز يخرج حديثه عن المعجزات من حلقات السالكين المتشابهين إلى العوام، الذين استعصى على بعضهم فهمه فوقفوا عند ظاهر الكلمات.. وهنا أود أن أقول "ليتنا نترك الناس لله دون أي وصاية.. فالحرب الدائرة طيلة التاريخ ما كانت إلا للاستيلاء على "جماجم العوام".. كلهم سواء.. رجال سلطة وعلمانيون ورجال دين وكفرة.. كلهم يفعلونها دون معناها الذي كان يقصده "الحلاج" "أنا الحق".


تجاوز الحلاج حدود استيعاب العقل وهو يتحدث عن فناء النفس في الله، ليزعم أنه نظرًا لأنه لم يتبق شيء الآن من «منصور الحلاج» فإن من يتحدث من خلال شفتيه هو الله؛ فنفس الحلاج قد فارقته لتترك فقط روح الله تسكن جسده أثناء سيره بين الشوارع والناس في «بغداد».. بل الأغرب من ذلك أنه أعرب عن تعاطفه مع الشيطان الذي رأى رفضه للسجود لآدم فيه نوع من الولاء البطولي نتيجة لرفضه الانحراف عن استغراقه في عبادة الله الواحد.

معذرة فقد أطلت عليك ونسيت أن أخبرك بنصيحة «بول فاليري» التي جعلتني أوجه طاقتي كاملة للقراءة، فقد كانت له جملة عبقرية باتت لا تفارق ذهني: «ليس الأسد إلا مجموعة من الحملان المهضومة».. فتيقنت أنه يقصد الناس والكٌتب.