نهاية التجارة الممنوعة.. كيف استفاد المغرب من فتح المعابر الحدودية في سبتة ومليلية؟

شهدت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا مؤخرا تحولا كبيرا وصفه البعض بـ«التاريخي»، بعد أن أقر رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بنجاعة مقترح المغرب لحل نزاع الصحراء، متمثلا في الحكم الذاتي لهذه المنطقة، وهو ما أعاد توهج العلاقات الثنائية بين المملكتين، وتمخض عن ذلك قرار إعادة فتح المعابر الحدودية بين سبتة ومليلية وباقي التراب المغربي.
وتقع مدينتا سبتة ومليلية في شمال المغرب تحت السيادة الإسبانية منذ عقود خلت، وشكلتا في كثير من الأحيان أحد ملفات الخلاف بين البلدين، كما أن المعابر القريبة منهما أغلقت قبل سنتين بسبب جائحة كورونا، والخلافات السياسية بين الرباط ومدريد، التي نجمت من استضافة الأخيرة زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي للعلاج.
مرحلتان لفتح الحدود
شملت المرحلة الأولى من إعادة فتح الحدود البرية لمدينتي سبتة ومليلية حتى نهاية مايو الماضي، تنقل السكان ومواطني الاتحاد الأوروبي والأشخاص المصرَّح لهم بالتجوُّل في منطقة شنجن.
وانطلقت المرحلة الثانية في نهاية مايو، بتمكّن العمال القانونيون (الحاصلون على حق العمل في سبتة ومليلية قبل إغلاق الحدود) من دخول المدينتين.
ولا تزال سلطات البلدين حازمة بشأن منع العمال غير القانونيين والأشخاص الذين كانوا يمتهنون تجارة السلع من سبتة ومليلية، ويبيعونها في مناطق الجوار، أو في المدن الداخلية للمغرب، وهو ما يسمى «التهريب المعيشي».
المستفيد الأكبر
خطوة إعادة فتح المعابر الحدودية بين سبتة ومليلية وباقي المجال الجغرافي المغربي اعتبرها الباحث الحقوقي المغربي محمد بن عيسى، مدير مرصد الشمال لحقوق الإنسان، مفيدة للمغرب، لأنها أنهت بشكل حاسم «التهريب المعيشي» الذي كان يثير إشكالات كبيرة.
وأوضح بن عيسى، لموقع «الطريق»، أن تجارة «التهريب المعيشي» التي كانت تتولاها نساء وشباب انطلاقا من مدينتي سبتة ومليلية، اتسمت بحوادث لا إنسانية وخروقات حقوقية.
وأشار الباحث الحقوقي المغربي، إلى حوادث مميتة وقعت في شهور مضت بسبب التدافع والزحام الشديد الذي يعرفه المعبر الحدودي بين سبتة والمغرب، آخرها وفاة شابة مغربية في صيف 2019 عندما كانت تستعد لدخول المدينة بعد سقوطها من مرتفع صغير، كما توفيت سيدتان من قبل جراء التدافع، كانتا تحملان سلعا وبضائع إسبانية مهربة إلى المغرب مقابل مبالغ مالية يمنحها لهم المشغلون المستفيدون من هذا النوع من التجارة.
الأنشطة التهريبية
وأضاف بن عيسى، أن «المغرب استطاع فرض واقع جديد بعد إنهاء هذه الأنشطة التهريبية التي كانت تكبد ميزانية الدولة خسائر مالية طائلة، إذ خلق منطقة تجارية في النطاق المجاور، كما خلق منصب شغل لهؤلاء النسوة والشباب الذين يعملون في التجارة الممنوعة».
وتابع أن فتح المعابر الحدودية مع إنهاء التهريب المعيشي يخدم صالح المغرب بشكل أساسي، إذ يحول المنطقة الشمالية من الانغماس في اقتصاد غير مهيكل طيلة عقود خلت، إلى اقتصاد منظم ينبني على أسس واضحة.
انتعاش الخزينة المغربية
ونوه إلى أنه بمنع تجارة «التهريب المعيشي» للسلع الإسبانية بين مدينتي سبتة ومليلية وباقي التراب المغربي، من دون أن تخضع للمعاملات القانونية والجمركية، ارتفعت مداخيل الخزينة المغربية بأكثر من 4 مليارات درهم (400 مليون دولار)، وهي مبالغ مالية ضخمة كان المغرب محروماً منهاً بسبب تجارة التهريب.
ويترقب العاملون في تجارة «التهريب المعيشي» عودتهم إلى هذه الأنشطة، فيما أعلنت السلطات المغربية بأنه لن يسمح بحمل أي نوع من البضائع في المرور عبر المعابر.
مشكلة البطالة
وانتقدت البرلمانية نهى الموساوي، عن حزب التقدم المغربي، فرض تأشيرة لدخول سبتة ومليلية، ومنع المغرب نهائيّاً «التهريب المعيشي» انطلاقاً من المدينتين.
وطالبت الموساوي، في تصريح لموقع «الطريق»، بالإبقاء على التهريب المعيشي بمعبر باب سبتة، باعتباره الحل الأمثل والوحيد الذي بإمكانه تقليص البطالة في صفوف سكان منطقة المضيق والفنيدق وتطوان.
وقالت البرلمانية المغربية، إن سكان الإقليمين يعانون من البطالة والفقر منذ إغلاق المعبر، وأن الوضع ازداد سوء بعد جائحة كورونا.
وأكدت الموساوي، أن سكان هذه المناطق، كانوا يعتمدون على التهريب المعيشي بشكل أساسي لسد حاجتهم المالية، وأن المشاريع المنجزة حاليا كالمنطقة اللوجيستيكية لم تحل معضلة البطالة التي تعاني منها الجهة.
3500 امرأة مغربية
وأضافت أن إعادة فتح المعابر الحدودية بين سبتة ومليلية والمغرب من دون السماح بحمل البضائع التجارية وتمريرها، لن تفيد في شيء أكثر من 3500 امرأة مغربية، كُن يحملن السلع الإسبانية في أكياس ضخمة فوق ظهورهن ويمتهن ما يسمى «التهريب المعيشي» في معبر سبتة.
وكانت السلطات المغربية قد دشنت منذ أشهر قليلة في منطقة المضيق الفنيدق جوار سبتة ومليلية، عقود عمل لصالح العاملات المتضررات من الإغلاق السابق للمعابر الحدودية بسبب جائحة كورونا.
ويتطلع سائقو سيارات الأجرة في المناطق والمدن المجاورة لسبتة ومليلية إلى حصول انتعاش ورواج بعد قرار إعادة فتح المعابر الحدودية، من خلال نقل الأشخاص من وإلى هاتين المدينتين.
اقرأ أيضا: ما مستقبل العلاقات بين المغرب وإسبانيا بعد فتح حدود سبتة ومليلية؟