محمد عبدالمجيد هندى يكتب: المرأة.. قلب الوطن وصانعة المستقبل
اليوم، والعالم يحتفل باليوم العالمي للمرأة، نقف احترامًا وإجلالًا لكل امرأة جعلت من الصبر قوة، ومن التحديات انتصارًا، ومن الأزمات انطلاقة نحو مستقبل أكثر إشراقًا. المرأة ليست نصف المجتمع فقط، بل هي القلب النابض، والروح الملهمة، والأساس الصلب الذي يُبنى عليه تقدم الأمم. لا نهضة بدونها، ولا عدالة بغياب حقوقها، ولا مستقبل دون تمكينها.
عبر التاريخ، أثبتت المرأة أنها ليست فقط حاضنة للأجيال، بل صانعة للتغيير، ومحرّكة للمجتمعات نحو التنمية والتقدم، منذ الأزل وهي تقف جنبًا إلى جنب مع الرجل، تبني وتعطي دون كلل، تواجه الصعاب بعزيمة لا تنكسر، وتثبت يومًا بعد يوم أن قدراتها تتجاوز كل الحدود.
في مصر، كانت المرأة دائمًا نموذجًا للصلابة والإرادة، فمنذ فجر التاريخ كانت الملكة تحكم، وكانت الأم تقود، وكانت العاملة تنتج، ولم تتوقف مسيرتها النضالية عند حد، فقدمت من التضحيات ما يعجز عنه الرجال، وحين نحتاج إلى الشجاعة نجدها في قلب الحدث، تربي الأجيال، وتحمي الأسرة، وتساهم في الاقتصاد، وتتولى المناصب القيادية بكفاءة واقتدار.
المرأة عبر التاريخ.. دور لا يُمحى
لن ننسى أن المرأة المصرية كانت من أوائل من نادوا بالحرية والعدالة، شاركت في ثورة 1919 وخرجت تهتف للوطن، حملت راية الكفاح، لم تخشَ الاعتقال، ولم تتردد في مواجهة الاستعمار، ولم تكن مجرد تابع للحركة الوطنية، بل كانت في قلبها، تسهم برأيها وتدافع عن وطنها، وحين استردت مصر استقلالها، واصلن الطريق ليحصلن على حقوقهن السياسية والاقتصادية، حتى صار لهن مكان في البرلمان، والقضاء، وكل مؤسسات الدولة.
لكن هل نالت المرأة حقها كاملًا؟ الإجابة لا تزال قيد النقاش، فرغم التقدم الكبير، لا تزال بعض التحديات قائمة، لا تزال هناك فجوة في التمثيل السياسي، لا تزال المرأة تعاني في سوق العمل، لا تزال تواجه تمييزًا في الأجور، ولا تزال العقليات القديمة ترى أن مكانها الوحيد هو البيت، رغم أنها أثبتت أنها قادرة على تحقيق التوازن بين حياتها الأسرية وعملها المهني.
المرأة والعمل.. ركيزة الاقتصاد والمجتمع
لا يمكن الحديث عن التنمية دون الاعتراف بأن المرأة هي العمود الفقري للاقتصاد، فالمرأة العاملة ليست فقط جزءًا من قوة العمل، بل هي محرك أساسي للإنتاج، سواء في المصانع، أو في المزارع، أو في الشركات، أو حتى من داخل بيتها، كم من مشاريع ناجحة أدارتها النساء؟ كم من بيوت قامت على سواعد الأمهات العاملات؟ كم من أسر نجت من الفقر بفضل كفاح المرأة؟
لكن رغم كل هذا، لا تزال المرأة تواجه تمييزًا واضحًا في بيئة العمل، كثير منهن يُحرمن من الترقية لمجرد أنهن نساء، كثير منهن يتقاضين أجورًا أقل رغم قيامهن بنفس العمل، كثير منهن يُجبرن على الاختيار بين الأسرة والوظيفة، وكأن المجتمع يريدها أن تبقى في مربع محدد لا تخرج عنه.
هنا يأتي دور الدولة والمجتمع في دعم المرأة العاملة، ليس فقط بمنحها الفرص، ولكن بضمان المساواة الكاملة في الحقوق، من حقها أن تحصل على أجور عادلة، من حقها أن تتمتع بإجازات تراعى ظروفها الأسرية، من حقها أن تصل إلى أعلى المناصب دون عراقيل، فالعقلية التي ترى أن الرجل هو القائد الطبيعي لكل شيء، يجب أن تتغير، لأن الكفاءة هي المعيار، والمرأة أثبتت كفاءتها في كل المجالات.
المرأة والتعليم.. مفتاح التقدم الحقيقي
لا يمكن الحديث عن تمكين المرأة دون التطرق إلى التعليم، فهو السلاح الحقيقي الذي يجعلها قادرة على الدفاع عن حقوقها، والتعليم ليس مجرد شهادة، بل هو وسيلة للتحرر من قيود الجهل والتخلف، كم من فتاة حرمت من التعليم بسبب العادات والتقاليد؟ كم من امرأة كانت قادرة على تحقيق إنجازات عظيمة، لكن مجتمعها كبلها بالقيود؟
حين تُحرم الفتاة من التعليم، فإننا لا نحرمها وحدها، بل نحرم أجيالًا بأكملها، فالأم المتعلمة تُربي أجيالًا واعية، والأسرة التي تحظى بامرأة متعلمة، تكون أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة، ولهذا فإن دعم تعليم الفتيات، ليس قضية فردية، بل قضية مجتمع بأكمله، وحين تستثمر الدولة في تعليم المرأة، فإنها تستثمر في مستقبل الأمة.
المرأة والقيادة.. متى ينتهي التمييز؟
رغم أن المرأة أثبتت كفاءتها في كل المجالات، إلا أن حضورها في مواقع القيادة لا يزال أقل مما يجب، لماذا لا نرى المرأة في رئاسة الحكومات والدول بنفس النسبة التي نرى بها الرجال؟ لماذا لا تزال العقليات القديمة تعتقد أن المرأة لا تصلح للقيادة؟
لقد أثبتت التجربة أن المرأة عندما تصل إلى مواقع القيادة، تحقق نجاحًا يفوق التوقعات، لدينا نماذج مشرفة من الوزيرات والمحافظات والسفيرات، أثبتن أن المرأة قادرة على إدارة الأزمات، واتخاذ القرارات الصعبة، وتحقيق الإنجازات، فمتى نتخلص من تلك النظرة القاصرة التي ترى أن القيادة حكر على الرجال؟
المرأة وحقوقها.. معركة لم تنتهِ بعد
في يومها العالمي، يجب أن نؤكد أن معركة حقوق المرأة لم تنتهِ بعد، لا يزال أمامنا طريق طويل لضمان المساواة الحقيقية، لا يزال هناك من يحاول حرمانها من حقوقها، لا يزال هناك من يبرر العنف ضدها، لا يزال هناك من يرفض الاعتراف بقدراتها، وهذه ليست معركة المرأة وحدها، بل معركة كل من يؤمن بالعدالة والتقدم.
حقوق المرأة ليست منحة من أحد، بل هي حق أصيل يجب أن يُمنح لها دون انتقاص، حقها في التعليم، حقها في العمل، حقها في القيادة، حقها في حياة خالية من العنف والتمييز، هذه ليست قضايا ثانوية، بل هي أساس أي مجتمع يريد أن ينهض ويتقدم.
رسالة إلى كل امرأة.. أنتِ القوة وأنتِ الأمل
إلى كل امرأة في مصر والعالم، لا تنتظري أن يمنحكِ أحد حقوقكِ، لا تسمحي لأحد أن يقلل من شأنكِ، لا تخضعي لأي سلطة تحاول أن تضعكِ في قالب محدد، أنتِ القوة، أنتِ التغيير، أنتِ صانعة المستقبل، لا يوجد سقف لطموحاتكِ، ولا حدود لقدراتكِ، وكل نجاح تحققينه، هو خطوة نحو عالم أكثر عدالة وإنصافًا.
اليوم، نحتفل بكِ، لكن الاحتفال الحقيقي يكون حين تحصلين على كل حقوقكِ، حين لا تواجهين تمييزًا، حين لا يُفرض عليكِ دور معين، حين يكون لكِ كامل الحرية في أن تكوني ما تريدين، فاليوم هو يومكِ، لكنه ليس مجرد مناسبة عابرة، بل محطة جديدة لنواصل فيها جميعًا دعم المرأة وتمكينها، لأننا ندرك جيدًا أن أي مجتمع يريد التقدم، لا يمكنه أن يتجاهل نصفه.
كل عام وأنتِ القوة التي تصنع الفرق، كل عام وأنتِ الأمل الذي لا ينكسر.
القيادي العمالي المستقل، مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس