محمد دياب يكتب: سؤال عمر كمال وفتوى الدكتور أحمد كريمة
في عصرنا الراهن حيث تتسارع وتيرة الحياة وتتشابك الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تبرز تساؤلات عديدة حول مصادر الأموال ومدى مشروعيتها. وفي قلب هذه التساؤلات خرج مطرب المهرجانات عمر كمال في فيديو مثير للجدل يعبر فيه عن حيرته تجاه مصدر دخله وما إذا كان حلالًا أم يحمل شبهة حرام. هذه القصة فتحت نقاشًا واسعًا حول مفهوم الحلال والحرام في كسب المال وأعمال الخير المرتبطة به
بدأت القصة بتساؤل عمر كمال مطرب المهرجانات عن أمواله إذ صرح بأنه يشعر بالحيرة وأن بعض الناس أخبروه أن أمواله قد تكون محرمة. وعليه أصبح غير متأكد من جواز إخراج الصدقات أو الزكاة منها. وجاء سؤاله اللافت للانتباه حول ضرورة الحصول على فتوى من عالم كبير بالأزهر الشريف ليخبره إذا كانت أمواله تحمل شبهة حرام قائلاً: "لو فلوسي حرام هوقف أعمال الخير اللي بعملها"
هنا يتجلى السؤال الأساسي الذي طرحه كمال: هل كان فعلاً يسعى لمعرفة الحق في مسألة المال الحرام أم أنه ببساطة يريد التوفير؟ بمعنى آخركان من المتوقع أن يسأل عن حكم الأموال أولاً وإذا تأكد أنها محرمة كان عليه أن يتعهد بترك هذا المصدر وليس فقط التوقف عن أعمال الخير. المفهوم الديني والإيماني يشير إلى أن الحلال والحرام ليس مسألة تقتصر على أوجه إنفاق المال فقط بل تبدأ من كيفية تحصيله. وهنا تأتي الفكرة الأساسية: هل نحن نسعى لاتباع الحق أم نسعى للتبرير والتوفير؟
ما زاد الجدل هو رد الدكتور أحمد كريمة أحد علماء الأزهر الذي أعطى فتواه لعمر كمال قائلاً : "كمل على بركة الله واعمل صدقات كتير فلوسك حلال وملكش دعوة بالناس الجاهلة" هذا الرد أثار تساؤلات وانتقادات من عدة جهات حيث اعتبر البعض أن الفتوى جاءت سريعة ومطلقة دون التحقق الكافي من مصدر أموال عمر كمال أو طبيعة عمله
تزداد حدة النقاش عنما نُدرك ان عمر كمال نفسه يُدرك ان مصدر امواله مشبوه لكنه مع ذلك لايعترف بذلك بشكل صريح بل بدا فى الفيديو وكأنه يحاول الالتفاف حول القضيه مستنداً الى احتمالية ان يكون المال حلالاً او على الاقل غير محرم بشكل واضح
في الإسلام الفتوى مسؤولية عظيمة وهي ليست مجرد كلمات تُلقى دون دراسة متأنية للحالة المعروضة. كان من الأفضل أن يسأل الدكتور كريمة عن مصدر دخل عمر كمال ويطلب منه توضيح عمله وأنشطته. فالمهرجانات وما يرتبط بها من أعمال قد تكون لها جوانب مثيرة للجدل من الناحية الدينية خاصة إذا كانت تنطوي على ممارسات غير مقبولة في الشريعة. ومن هنا يأتي الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه : "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات فمن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام"
الرد السريع والمطلق على سؤال حساس كهذا يمكن أن يكون خطيرًا. إذ أنه قد يعطي انطباعًا بأن أي شخص يمكنه جمع أموال من مصادر مشكوك فيها ثم يستخدم جزءاً منها في أعمال خيرية لتبرير أفعاله. وهذا بالطبع يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تؤكد على أهمية تحري الحلال في كل ما نقوم به سواء في الكسب أو الإنفاق
الحلال بيّن والحرام بيّن ولكن المساحة الرمادية التي تقع بينهما تحتاج إلى دراسة وتدقيق وليس إلى إطلاق أحكام عامة يمكن أن تؤدي إلى فهم خاطئ للدين. يجب أن يتم فحص مصادر المال والتأكد من أنها لا تتعارض مع القيم الإسلامية فالأعمال الخيرية لا تكون تبريراً أو غطاءً للأموال المشبوهة
القصص المثارة حول سؤال عمر كمال وفتوى الدكتور كريمة تعكس أزمة أعمق من مجرد مسألة فقهية. إنها تعكس حالة من التسرع في إصدار الأحكام وفي طرح الأسئلة. يجب على كل مسلم ومسلمة أن يسعى للتأكد من أن ما يقوم به يتماشى مع تعاليم الدين ليس فقط في مظهره ولكن في جوهره
كذلك من واجب العلماء والدعاة التحقق الدقيق قبل إصدار الفتاوى خاصة في قضايا معقدة مثل كسب المال من مصادر قد تكون مشبوهة. فالأموال الحلال تأتي ببركة بينما الأموال التي تحمل شبهة الحرام تظل موضعًا للشبهات ولا يمكن أن تكون مصدرًا لخير حقيقي
الاعتراف بأن الأموال قد تكون من مصدر حرام هو الخطوة الأولى نحو الإصلاح ولكن بدلاً من ذلك يبدو أن عمر يريد تجنب مواجهة هذا الواقع. فما الفائدة من سؤال الفتوى إذا كان الشخص نفسه يعرف أن مصدر أمواله غير مشروع ولكنه يرفض الاعتراف بذلك؟
إن هذه القصة تقدم لنا درسًا مهمًا حول ضرورة تحري الحلال والحرام في كل جوانب حياتنا ليس فقط في الإنفاق ولكن أيضًا في الكسب والعمل. كما أنها تبرز أهمية التروي والتحقق عند إصدار الفتاوى الدينية فالعلماء يحملون مسؤولية كبيرة أمام الله والمجتمع يجب أن نعود دائمًا إلى المبادئ الأساسية: التحري عن الحلال والبعد عن الشبهات فلا نجعل من أموالنا محلاً للريبة ولا من أعمال الخير مبرراً لتجاهل القيم الإسلامية
اللهم ابعدنا عن الحرام وشبهاته وارزقنا الرزق الحلال الذي يبارك لنا في حياتنا وعملنا إنك أنت السميع المجيب.
