الطريق
الخميس 9 مايو 2024 10:20 صـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

محمد هلوان يكتب: صورة الشرير في المخيلة والبطل بالعمل الفني

أشرار السينما العالمية
أشرار السينما العالمية

الشرير في رواية أحدهم.. لم يغب هذا الموضوع عن ذهني إطلاقا وخصوصا في العقود الأخيرة، وتحول آليات الفكر العربي والعالمي بأكمله لابتكار مصطلح الأنتي هيرو "Anti-hero" أو الشرير الذي يحاول البطل بكل الأشكال إيقافة، فضلاً عن خضوع الدراما والفنون بشكل عام لفكرة انتصار الخير في آخر المطاف أو في نهاية القصة.

القصة بوادرها قديمة، ولكن استحداث أفكار ومصطلحات مرتبطة بها هو الشيء الجديد في الموضوع، وكأننا بحاجة لترميز شخصية البطل الثاني في القصة، فإعطاء رمزية للشخصية الشريرة مرتبط بأبعاد خاصة بالكاتب نفسه، النفسية والاجتماعية واحياناً السياسية، وكأن دور الكاتب متمثل في محاولة إسقاط ما يعيشه في شخصية البطل الشرير، ولذا فلابد من ترميزة وتسليط الضوء عليه بشكل أكبر حتى يتسنى للمشاهد او القارىء ملاحظته.

انتوني هوبكنز في فيلم صمت الحملان

ولكن ما يحدث هو خلاف ذلك، فترسيخ صورة البطل الشرير حتى وان كان قبيح المنظر والمظهر- وهو أمر لا علاقة له بالشر - إلا أن ترميزه وتحميله أفكار مركبة مرعبة ولكنها عبقرية تجعله للمتلقي رمز ونموذج ينبغي الاهتمام به أكثر من البطل الطيب الحقيقي للرواية..

هذا ليس غباء من المؤلف أو سوء نية مننا تجاه المؤلف، على الإطلاق، فهو يحاول إبراز أن أبرز الأفعال الشريرة هي في حقيقتها عبقرية ومرعبة ومركبة، لا يستطيع البطل العادي المثالي حلها بسهولة في أول الأمر، ما يطرح تساؤل حول فكرة وجود بطل يفتقر لمثل هذا النوع من الذكاء، بل وحيازته وحده دون سواه من شخصيات بقعة الضوء للأحداث، وكونه محورياً في القصة، على الرغم من أنه من الممكن ان يحتل آخرين أجدر من جزء من سياق القصة أو أكثر، فلماذا هذه الصورة النمطية للبطل غير القادر على رؤية ما وراء الأفعال، والهدف الرئيسي وراء تلك الافكار؟

فلا نطالب بإعادة تشكيل القصة ولا نحاول التقليل من شخصية الكاتب – اي كاتب – بل نحاول فهم اتجاه حديث في ترميز شخصية مرتبطة بكافة الأفعال الشريرة!

صورة الشرير السيئة في المخيلة وصورة البطل الجميل في العمل الفني

ما يحيلنا لنقطة أخرى أولى بالمناقشة، وأبعادها أكبر بكثير من مجرد تحليل أو سرد، بل أهم من مجرد كونها صورة نمطية لكل الأشرار في جميع الأعمال الفنية والإبداعية، فدائما ما يحاول الكاتب أو غيره في الأعمال الفنية في وضع صورة ذهنية للقارئ أو المشاهد في كون البطل الطيب في القصة هو إنسان ذو شكل جميل او مقبول على الأقل، فضلاً عن وجود بعض الكتاب الذين يصوروا البطل بأنه "جان" كما يقال في السينما والدراما المصرية، وعلى النقيض البطل أو محور الرواية الشرير، الذي – على الاغلب – غير مهندم المظهر ويسعى للشر لمجرد السعي وراء الشر ذاته، هدفه الإيذاء وإلحاق الألم بالآخرين، لأسباب ربما يطرحها الكاتب أو ربما يحاول تجهليلها عن عمد لاثارة المشاهد أو القارئ بالتفكير..

وحتى في الأعمال التاريخية والتوثيقية نجد الكاتب يحاول إظهار الوجه القبيح شكلاً على شخصية الشرير، حركاته، شكله، انفعالاته، مشاعره، وغيرهم.. فهو يسعى لسد النقص بتلك الإشارات، بل وأيضاً يحاول تجنب أي فعل خيّر يقوم به البطل الشرير حتى يوجه عقلية المتابع لما يبغاه، ما يحيلنا لفكرة أن كل الأعمال الفنية موجهة، من قبل الكاتب نفسه، قبل حتى أن يتم لفت الأنظار للعمل لتجسيده على شاشة سينما او تليفزيون او مرح وخلافهم.

وبعض الأشرار على مدار التاريخ الأنساني - والذي نصنفهم كأشرار كنتيجة لافعالهم وليس للهدف الذين يبغونه – كان منهم نباتييون، وكان منهم محبي للفنون والموسيقى والبالية، بل لنذهب ابعد من ذلك؛ بعض الشخصيات المركزية في التاريخ كانت ذو حسب ونسب ومال وجاه وسلطة، ولكن هذا لم يشفع لهم في ارتكاب بعض الاعمال القبيحة في التاريخ الإنساني كله، حتى يتم الاستشهاد بها حتى الآن..

فما علاقة الشكل الذي يحاول المبدعين ترسيخه في عقلية المتلقي؟ هذا اشبه بالتغريب، أي بزرع أفكار في عقلية المتلقي بعيدة كل البعد عن الواقع، وإذا كانت إجابة المؤلف هي مخاطبة الجمهور العامي دون النخبة لذا فلابد من إظهار القبح بالخارج لتوضيح القبح الداخلي فهذه سلطة بيد المؤلف يُسأل عنها، فهو قد احتكم لكسل عقلية المتلقي، وأيضاً اعتمد على نموذج ذهني متعارف عليه دون ابداء اي مجهود في الأرتقاء بعقلية المتلقي، وهذا في رأيي عبارة عن تجهيل متعمد اكثر منه تقليل من عقلية المتلقي..

جوني ديب

الشرير الذكي والبطل المثالي

علاقة الرواية والحبكة دائماً ما تكون روتينية، عبارة عن اكليشيهات اشبه بأكليشيهات الدراما والسينما والحبكات المتكررة بها، لذا فقليلاً ما نجد بطل ذكي قادر على فهم التعقيدات التي يواجهها، إلا في بعض الأعمال الدرامية الطويلة وحدها باستثناء مسلسل الاطفال المحقق كونان، الذي ولحتى الآن يجد بعض الكبار صعوبة في فهم تحليلات كونان نفسه، والذي اجد صعوبة حتى الان في فهم عدم تقديم ذلك العمل للكبار في صورة عمل فني!

ربما هذا هو السبب الأكبر في إعجاب الجمهور لتلك الشخصية الشريرة، والتي تحوذ على الاهتمام في فهم دوافعها لتحليل نمط فكرها سيكولوجياً وايدولوجياً، حتى أن بعض الدراسات الحديثة لجأت لتحليل بعض الشخصيات الشريرة في أعمال أدبية وفنية للوقوف على حقيقتها، وأثرها وبعدها النفسي للكاتب وايضاً في عقلية المتلقي، الموضوع أكبر من كل ذلك بكثير..

فهو يعمل على تشكيل عقلية الجمهور في اتخاذ نموذج فكري، عبقري، ولكن قبيح او مرفوض او محرم دينياً او مجرم قانونيا.. إلخ، باعتباره نموذج يستحق الإشادة والاتباع وليس النفور والرفض، وما يقوم به بعض المنتجين للعمل الفني في إعطاؤه صورة مادية للمجتمع باعتبار الشر قبح والخير جمال هي صورة اكثر منها فلسفية عن كونها واقعية في آخر المطاف.