محمد عبد المجيد هندي يكتب: إيران.. السلاح الأمريكي القادم لإشعال الفوضى في قلب الوطن العربي

إن ما نشهده اليوم من تصعيد متسارع في المنطقة العربية ليس إلا حلقة جديدة من حلقات المخطط الاستعماري الغربي بقيادة الولايات المتحدة، تلك الدولة التي لم تتوقف يوماً عن العبث بمقدرات الأمة العربية، والتي ظلت لعقود تستخدم أدواتها المتنوعة لزرع الفوضى وتدمير الاستقرار في كل بقعة عربية تمتلك مقومات النهوض أو تشكل تهديداً لمصالحها ومصالح الكيان الصهيوني. واليوم، تُعاد صياغة السيناريو القديم بوجوه جديدة وأدوات مختلفة، وعلى رأسها إيران، التي أصبحت بمثابة السلاح القادم في يد واشنطن لإشعال نار الصراع في المنطقة، بعدما استُنفدت أوراق أخرى وأُحرقت مشروعات سابقة لم تؤتِ ثمارها بالشكل المطلوب.
إيران ليست عدواً حقيقياً للولايات المتحدة كما يروج الإعلام الغربي، بل هي شريك غير مباشر في تنفيذ الأجندة الأمريكية التي تقوم على قاعدة "الفوضى الخلاقة"، تلك القاعدة التي دمرت العراق وسوريا واليمن وليبيا وأغرقت المنطقة في مستنقع من الدماء والخراب. فمن سلّم العراق لإيران بعد احتلاله عام 2003؟ من سمح بتمدد المليشيات التابعة لإيران في سوريا واليمن ولبنان تحت غطاء محاربة الإرهاب؟ ومن الذي ما زال يتظاهر بأنه يعادي طهران بينما يترك لها الحبل على الغارب لتتمدد في العمق العربي؟ إنها واشنطن، التي تتقن لعبة تحريك الدمى على مسرح السياسة العالمية، فتُشعل الفتيل هنا وتطفئه هناك، وفقاً لحساباتها الاستراتيجية لا وفقاً للشعارات التي تُسوّقها للعالم.
الأساطيل الأمريكية التي تتواجد اليوم في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ليست هناك لحماية الممرات التجارية ولا لضمان حرية الملاحة كما تدّعي، بل هي هناك استعداداً لمرحلة جديدة من المواجهات التي ستُفتح في المنطقة تحت ذرائع واهية تُخفي خلفها نوايا خبيثة. فبعدما أرهقت واشنطن المنطقة العربية عبر أذرعها المختلفة، وبعدما أشعلت نيران الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية، ها هي اليوم تجهّز المسرح لصراع جديد تكون إيران طرفه الظاهر، بينما تكون أمريكا هي المستفيد الأكبر، تماماً كما حدث في العراق عندما أُهلكت البلاد ثم جاءت واشنطن لتبيع الوهم تحت عنوان إعادة الإعمار.
إن الدور الإيراني في المنطقة لم يكن يوماً عفوياً أو نتيجة طموحات ذاتية، بل كان دائماً مرتبطاً بمخططات أكبر تُرسم في أروقة البيت الأبيض والبنتاغون، ويُنفّذها النظام الإيراني تحت شعارات زائفة تتحدث عن مقاومة الاستكبار العالمي بينما الحقيقة هي تكريس الفوضى واستنزاف قوى المنطقة. فما الذي قدّمته إيران لفلسطين سوى الشعارات؟ وما الذي أنجزته في لبنان سوى تكريس الانقسام وإضعاف الدولة؟ وما الذي فعلته في العراق واليمن وسوريا سوى فتح الباب لتدمير هذه الدول من الداخل، وإعطاء الذريعة للولايات المتحدة للتدخل المباشر؟
إننا اليوم أمام لحظة فارقة، فإيران ليست سوى رأس الحربة في المرحلة القادمة، والمستهدف الحقيقي هو أمن الخليج واستقرار مصر ووجود سوريا والعراق ولبنان واليمن كدول قادرة على البقاء. السيناريو واضح، وأدواته مكشوفة لمن أراد أن يرى. تبدأ اللعبة بإشعال التوتر عبر تصعيد محسوب، ثم تتدخل واشنطن تحت شعار حماية الأمن والاستقرار، لتفرض شروطها على الجميع، وتعيد ترتيب المنطقة وفقاً لمصالحها. أما الشعوب العربية، فستكون هي وقود هذه الحرب القادمة، التي ستأكل الأخضر واليابس ما لم تتخذ الأمة موقفاً حازماً وقوياً.
إن وجود الأساطيل الأمريكية في المياه العربية هو إنذار شديد اللهجة لكل من يتوهم أن واشنطن ستترك المنطقة تعيش في استقرار. فالبحر الأحمر، الذي يُعد شرياناً استراتيجياً للتجارة العالمية، أصبح اليوم ساحة لاستعراض القوة، والهدف ليس حماية الممرات بل فرض واقع جديد يُخضع كل الدول المطلة عليه للهيمنة الغربية. والبحر الأبيض المتوسط الذي شهد تاريخياً صراعات كبرى، أصبح اليوم ساحةً لتجهيز سيناريوهات جديدة، تُطبخ في العواصم الغربية وتُنفّذ بأيادٍ محلية، تُباع لها الأوهام عن النفوذ والتمدد، بينما هي في الحقيقة أدوات لحرق أوطانها بأيديها.
لا يجب أن ننخدع بما يُروّج عن وجود خلافات جوهرية بين واشنطن وطهران. فالعلاقة بين الطرفين قائمة على تبادل الأدوار، كل طرف يُنفّذ ما يخدم مصالحه ضمن إطار الاتفاق غير المعلن الذي يرعى استمرار حالة الفوضى. فإيران تتظاهر بالعداء لأمريكا، بينما هي المستفيد الأكبر من كل تدخل أمريكي في المنطقة. وواشنطن تتظاهر بمعاقبة إيران، بينما تمنحها الفرص للتوسع والتمدد كلما اقتضت الحاجة. والدليل على ذلك، أن كل العقوبات التي تُفرض على طهران لا تمنعها من دعم مليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ولا تمنعها من تهديد استقرار الخليج.
الهدف النهائي لهذا المخطط هو إعادة تشكيل المنطقة على أساس طائفي وعرقي، بما يجعلها عاجزة عن التوحد أو اتخاذ مواقف مشتركة. فإشعال الصراع السني الشيعي، وتغذية النزعات القومية، وخلق صراعات داخلية في كل دولة عربية، هي أدوات تستهدف تدمير النسيج الاجتماعي وتمزيق وحدة الصف. وما يحدث في اليمن وسوريا ولبنان ليس إلا نموذجاً لما يُراد تعميمه على باقي الدول العربية.
الأمة العربية اليوم بحاجة إلى يقظة شاملة، ووعي حقيقي بحجم المخطط الذي يُراد فرضه. المطلوب ليس مؤتمرات وبيانات شكلية، بل قرارات جريئة تُعيد ترتيب الأولويات، وتضع الأمن القومي العربي فوق كل اعتبار. يجب وقف الارتهان للقرارات الخارجية، والتحرر من التبعية الاقتصادية والسياسية، وبناء قوة ذاتية قادرة على حماية المنطقة من الداخل، بعيداً عن المظلات الغربية التي أثبتت مراراً أنها ليست سوى غطاء لاستباحة الأرض ونهب الثروات.
إن استمرار إيران في لعب هذا الدور التخريبي لن يتوقف إلا إذا أدركت أن هناك موقفاً عربياً صلباً لا يقبل المساومة، موقفاً يقطع الطريق على كل محاولة لإشعال النيران في المنطقة. يجب أن تدرك الأنظمة العربية أن أمنها لن تحميه واشنطن ولا العواصم الغربية، بل تحميه وحدتها وقوة شعوبها ووعيها بحجم المخاطر.
إيران اليوم ليست سوى رأس الجسر الذي تعبر من خلاله واشنطن لتثبيت أقدامها في المنطقة بشكل أكبر، وتحويلها إلى ساحة صراع دائم يخدم مصالحها الاستراتيجية. وكل من يعتقد أن الولايات المتحدة تسعى لتحقيق السلام أو الاستقرار في الشرق الأوسط، فهو واهم أو متواطئ. فالسياسة الأمريكية قائمة على مبدأ خلق الأزمات ثم التدخل لحلها، وحصد المكاسب من هذا التدخل.
إن المعركة القادمة ليست بعيدة، والأصوات التي تتحدث عن تهدئة أو انفراجات قريبة ليست سوى محاولة لتخدير الوعي العربي حتى يحين وقت الانفجار. فالتحركات العسكرية في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، والتصريحات المتناقضة القادمة من واشنطن وطهران، كلها إشارات واضحة على أن المنطقة مقبلة على تطورات خطيرة، ستُعيد رسم الخريطة السياسية والجغرافية بما يخدم مصالح الكيان الصهيوني، الذي يقف خلف الستار محركاً ودافعاً نحو مزيد من الفوضى.
الشعوب العربية ليست عاجزة إذا أرادت الحياة، لكنها بحاجة إلى قيادة واعية تدرك أن المعركة اليوم ليست معركة حدود أو مصالح اقتصادية فقط، بل معركة وجود وبقاء. فإما أن ننهض ونواجه هذا المخطط بكل قوة وصلابة، وإما أن ننتظر حتى تأتينا النيران إلى بيوتنا ونحن في حالة من اللامبالاة والغفلة.
إيران اليوم هي السلاح القادم في يد أمريكا، والهدف هو تدمير ما تبقى من كيان الأمة العربية. فهل سنبقى متفرجين؟ أم سنستيقظ قبل أن نجد أنفسنا في قلب العاصفة التي تُحاك خيوطها في العلن، بينما نحن غارقون في أوهام السلام والاستقرار الزائف؟