أيمن رفعت المحجوب يكتب: البناء الجديد وطريق التطور الحقيقي

كم كان من الضروري أن يحدث التغيير الذي نراه في مصر في كثير من المجالات ونطلق عليه تطورا وإصلاحا وتنمية وبناء جديدا.
كل هذه أمور منطقية وموضوعية وإن اختلف البعض في توقيتها و قطاعاتها، ولكن وإن كان التوقيت دائماً أمراً مهماً إلا أنه ليس الأهم ، فالأهم هو إحداث تغيير جذري هيكلي في مصر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية، بحيث لا يتصور أن تحيا أمة من غير هذه التوليفة المتناسقة من الأوضاع كركيزة أساسية لأي مجتمع ناضج وكامل البنيان.
فالتاريخ قد عرف مجتمعات كثيرة عاشت علي أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية مختلفة افسدتها رغم تطور بعضها، ومن المؤكد أنه إذا لم يعرف مجتمعنا هذا البناء متناسق الأوضاع فإنه سوف يعاني مثلما عاني الآخرون.
والمجتمع في تعريفه المجرد يقتضي بالضرورة وجود البناء الاجتماعي السليم ثابت القواعد والذي تتوافر فيه علاقات اجتماعية ما تربط بين الشعب والجماعة الحاكمة لكي لا يكون المجتمع مضطرا لأن يبحث لنفسه عن بديل......!!!!!
وغالباً ما يكون هذا البديل أكثر سوءاً من أي نظام مضي وأخطر علي المجتمع والحكم ، وعليه تقتضي سلامة التطور إقامة هذا البناء الجديد الذي يستبعد العناصر المعوقة سواء كانت العناصر السابقة علي التطور أو التي لا تؤمن به وتنكر منجزاته.
ويجب حشد كل القوي البناءة التي تؤمن بالتطور وإشراكها في صنع المستقبل.........!!!!!!
إذن البناء الجديد يجب أن يوكل للقوي المؤمنة بالتطور والقادرة علي البناء، فنجاح التطور واستمراره يتطلب وجود القوي التي تعتمد علي الدفع التقدمي والقادرة علي البناء معاً، وذلك لأن أخطر معوقات التطور أن تكون القوي المتمتعة بالدفع التقدمي غير بناءة، وأن تكون القوي البناءة غير تقدمية، وقتها ينهار البناء ويتعثر التطور....!!!!
ثم ننتقل إلي مرحلة تجميع القوي البناءة ولذلك يكون من المفيد أن نؤكد أن سلامة البناء تتوقف علي سلامة تكون القوي البناءة ، وأن ضخامة البناء تتوقف علي قدرة هذه القوي البناءة .
و السؤال اذا....؟؟؟؟؟
وإن كنا نعيش اليوم تطورا حقيقيا فما هو البناء الذي نريده.....؟؟؟؟؟؟؟؟
إننا نريد مجتمعا وسطا يقوم علي الحرية والعدل والنمو المتوازن الذي تجني ثمارة كل شرائح المجتمع ولا يصبح حكرا علي ما يعرف بالاقطاع السياسي ومنه إلي الاقطاع الاقتصادي القديم ، تلك صفحة طويت ولن تعود ، ولن
يسمح بها شعب مصر أبداً.
ولكي يتحقق هذا فنحن في حاجة إلي بناء مواطن حر ، والمواطن الحر حقيقة سياسية واقتصادية معاً ، وعلي ذلك فإن التطور الاقتصادي وحده لا يكفي لبناء مواطن حر ،
بل لابد من إضافة تطور سياسي واجتماعي لكي تستقيم المعادلة ، فلا يكفي أن يكون للمواطن حق التعبير عن إرادته قانونا ، بل أن يكون له في الواقع القدرة علي ممارسة هذا الحق دون حجر عليه بأي وسيلة قائمة أو سوف تستحدث.
ولا أعتقد أن تكون للمواطن هذه القدرة ما دام حتي وقتنا هذا لا يملك قوت يومه كاملا ، وما دام يجهل أمر غده ،
فالنمو الاقتصادي هنا هو أهم مقومات التطور الحقيقي ويشكل الملاذ الأخير.
وأعرف أنني لست أول من دعا لذلك ولكن أرمي بسهامي لأؤكد أن التطور الذي لا يتمكن من زيادة الناتج القومي زيادة حقيقية لن يحقق شيئاً من أهدافه ، فلن يخلق المواطن الحر، ولا البناء السياسي السليم ، ولن يقيم العدل الاجتماعي ، وعليه يجب أن نهتم في بلدنا بمضاعفة الدخل القومي خصوصا في القطاعات الإنتاجية كثيفة العمل لكي تستوعب الزيادة السكانية الكبيرة وأن توظف كل الامكانات في سبيل رفع نصيب الفرد من الدخل القومي .
ولا شك هنا أن مضاعفة الإنتاج تتطلب منا حسن اختيار الذين يقومون عليه، كما تتطلب أيضاً منا مراجعة النظر في تطوير هيكل العلاقات داخل العملية الإنتاجية وحسم قضية الأجور والمسئوليات علي أساس واحد وهو 'العمل'، وتعد هذه الفلسفة أساساً مهما في تطوير الحياة الاجتماعية وتجعل من العمل أيضاً أهم مصادر الدخل للمواطن، علي عكس واقعنا في مصر الآن.
ولا يكفي في سبيل البناء الذي نريده أن نعد فقط المواطن الحر، فالمواطن الحر لا يستطيع أن يمارس حريته في فراغ، بل لابد من أن نقيم بناء سياسياً حراً يعطي المواطن القدرة علي المشاركة في الحكم وليس فقط التعبير عن الرأي وتفريغ شحنة فكرية ومعنوية دون جدوي في الفراغ السياسي المحيط بنا الآن.
ثم يبقي أن نذكر أن كل هذه الإجراءات السابقة لا تكفي وحدها لإقامة البناء الجديد الذي ننشده، بل لابد أيضاً حتي يتحقق لنا هذا البناء من تطور عقلية الجماعة الحاكمة التي تقود شعبنا في هذه المرحلة المهمة بحيث تصبح عقلية معتدلة تؤمن بالحرية والعدل الاجتماعي والنمو الذي يخدم صالح الجماهير، وتؤمن علي وجه الخصوص بألا يكون الحكم أداة تستخدمها الطبقات المالكة لقهر الطبقات غير المالكة التي تشكل الغالبية العظمي من شعب مصر.
مسئولية رجال الفكر في بلدنا في دعم وتطوير هذه العقلية متوازنة المصالح والأهداف، وفي إحداث نهضة فكرية وحث الجماعة الحاكمة علي ألا تعبأ بمن قال أو يقول 'ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها' وإنما النزول علي رغبات المواطنين فوق الحكومة وفوق كل شيء، وأن يكون استبعاد سياسة رتق الثوب طريقا، فنحن لدينا الشجاعة لكي نغير ما كان التغيير واجباً وفي صالح هذا البلد.
وهنا فقط سوف يؤمن كل منا بالبناء الجديد، ويشارك فيه، وبذلك وحده يمكن للبناء أن يقوم والتطور الحقيقي أن يكتمل.