الشيخ سعد الفقي يكتب: بريد القراء يصنع كتابًا

في الماضي لم يكن النشر في الدوريات الأسبوعية أو اليومية سهلًا. كان لابد من رحلة كفاح ونضال طويلة وممتدة. في بداية الأمر كنت أحرص على المراسلة وفي نهاية المطاف يتم بتر نصف الموضوع أو أكثر، وكان الواحد منا في غاية السعادة عندما يشتري الدورية الأسبوعية أو الجورنال اليومي فيجد كلماته وأسفلها اسم العبد الفقير. كنا مجموعة من الهواة لا يعرف بعضنا بعضًا، همزة الوصل بينهم أنهم لا يعرفون التعب أو النصب ولا يجد اليأس طريقًا إلى قلوبهم، فهم حريصون على الكتابة والابتكار. مرات عديدة قررت أن أقلع عن هذه العادة، إلا أن بعض الكتاب كانوا يدفعونني إلى الأمام. لا أنسى أخي الأكبر السياسي والكاتب الكبير والمثقف الموسوعي وأستاذ الأجيال الكاتب العروبي عبد الغفار شكر. ومن كلماته التي لا أنساها: "أنت تكتب جيدًا في القضايا الإنسانية وتمتلك موهبة رصد الخلل فيما يكتبه الكبار". شهادة كنت أعتز بها. ولا يمكن أن أنسى الموقف النبيل لأخي وصديقي الصحفي هشام لطفي عندما بادر من نفسه بالحديث إلى الصديقين العزيزين عبد الحليم قنديل وعبد الله السناوي، وقد طلب منهما نقل كتاباتي من بريد القراء إلى الأعمدة، وكان له ما أراد. كان ذلك عندما كانت جريدة العربي من أقوى الدوريات، وكان الناس ينتظرونها صباح كل أحد بفارغ الصبر، وقد كتبت عنه لاحقًا (صديقي المشاغب) وأطلقت عليه لفظ "الكاتوبجي" الذي يبحث عن المتاعب دومًا من خلال دفاعه عن المكلومين والمهمومين. من الأسماء التي ما زلت أحتفظ بها الراحل عبد الرحمن بن لطفي، وأعتقد أنه كان صعيديًا من خلال صورته التي نشرت له لمرات في جريدة الشعب، وفي أحيان كثيرة كان يكتب مقالًا ويشير إلى نفسه بالداعية الإسلامي، وأرجح الأقوال أنه كان من هواة الدعاة. أما الأستاذ الراحل عوض الفقي فهو من رجال التعليم، هكذا اختار لنفسه هذا التوصيف، وكان رصينًا في كتاباته، غزيرًا فيما يكتب، فقد كانت صفحات بريد القراء تعرفه جيدًا، فهو متابع جيد لمقالات كبار الكتاب وحريص على التعليق على ما يكتبون سلبًا أو إيجابًا، وكانت له رؤية وأسلوب متفرد في الكتابة. لم ألتقه إلا أن التقيت أخي الشيخ هاشم الفقي إمام وخطيب مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي وحاليًا مدير عام الدعوة بأوقاف الإسكندرية، وحكى لي عنه الكثير والكثير، وتمنيت أن أكتب عنه كتابًا لو أتيحت لي المواد التي كتبها، ففيها المزيد والمزيد للوقوف على شخصيته النبيلة والخلوقة رحمه الله تعالى. وقد علمت أنه توفي إلى رحمة الله تعالى بعد رحلة عطاء مستقرة ومستمرة وعلاقات متشعبة مع كبار الكتاب ومنهم الراحل الأستاذ أنيس منصور ابن الدقهلية قبل بلوغه الستين من العمر، وقد كتب عنه الأستاذ بلال فضل بعد وفاته مقالًا مطولًا بعنوان (شبح الأستاذ عوض الفقي).
كذا من الشخصيات التي تعارفت عليها من خلال الكتابة الراحل الأديب الدكتور أحمد خالد توفيق ابن الغربية، فقد كانت همزة الوصل بيننا أن بريد القراء في الكثير من الجرائد اليومية أو الأسبوعية لا يخلو من كلمة لي أو له.
كنت أبحث عما يكتب فقد كان صاحب حس أدبي ونبيل في كلماته، وقد ذاع صيته بعد ذلك ورحل وهو في الخمسين من عمره بعد رحلة عطاء أدبي شهد له الجميع من اتفق معه ومن اختلف. رابع هذه الأسماء التي كانت ملء السمع والبصر في بريد القراء في الزمن الماضي وأصبح كاتبًا مرموقًا هو الأستاذ محمد عبد المقصود الموجي والذي كان يحرص على تذييل كتاباته بـ "قانوني بجامعة المنصورة"، هكذا كان يكتب، وهو صاحب قلم حر ورأي تلمس من خلال كتاباته أنه دومًا مهموم بالوطن حريص على وحدته يستشرف دومًا الأمل ويستنهض الهمم من خلال ما يطرح، وقد رحل عن دنيانا في النصف الأول من عام ٢٠١١، وقد كتب عنه الكاتب والأديب بلال فضل بعد وفاته في المصري اليوم بعنوان (رحيل رجل جميل).
ليس في هذه الدنيا عدل، ولذلك لا تجد الصحف تنشر خبرًا بعنوان (رحيل القارئ فلان)، بل تتحيز في أنباء الرحيل للكتاب فقط، أما القراء فعليهم أن يدفعوا ثمن الإعلان عن رحيلهم في صفحات الوفيات، مع أن القارئ لا يقل أهمية للصحيفة عن الكاتب، إن لم يكن الأهم منه بمراحل، فهو الذي يصرف على الصحيفة ويسهم في الصرف على الكاتب ذات نفسه، فضلًا عن أنه في أحيان كثيرة يكون أقدر على الكتابة من الكاتب ذات نفسه أو هو يعتقد ذلك على الأقل، لكنها الدنيا التي إذا أقبلت باض الحمام على الوتد، وإذا أدبرت بال الحمار على الأسد.
أما كاتبنا النبيل الأستاذ يحيى النجار وهو من محافظة دمياط فهو غزير العطاء يكثر من الكتابات الإسلامية، مرات عديدة أقرأ له الكثير من المقالات في شتى فروع المعرفة فهو موسوعي متألق دومًا، دعواتي له بالصحة وموفور السعادة وراحة البال.
وللحديث بقية.