عماد خلاف يكتب: المصريون يعشقون الفرجة

هلت علينا كالعادة مسلسلات رمضان وراح البعض من الفنانين فى سباق زمنى علي "السيوشيال ميديا" لترسيخ مكانته بين الجمهور من خلال بعض التقاليع الجديدة وهى وضع سؤال عن الحلقة لجذب المشاهدين ومن يصل إلى الأجابة الصحيحة سوف يحصل على مبلغ مالى.
اللعبة عجبت بعض الفنانين وراح يقلدونها، على أمل تكرم وتنازل السيد المشاهد المبجل لرؤية المسلسل الفلانى، والحصول على نسب مشاهدة تجعله "نمبر وان" فى سباق وهمى قائم على الفبركة وصناعة التريند.
لا أقصد من هذه العبارات مهاجمة أحد، لا قدر الله، لأننى علي يقين أننا هنا فى المحروسة لدينا حساسية من كلمة نقد، لكننى أعتقد أنه من الألطف أن أكتب بعض العبارات التى قد تبدو بالنسبة لى علي الأقل هى الأفضل ومن خلال ما قرأته وشاهدته، يوجد رائد من رواد السيناريو يطلقون عليه سيد فيلد، وهو الذى بدأ من عنده كل شيء وعلم الجميع، ومن قبله قال أرسطو فى كتابه "فن الشعر" الفن هو محاكاة للطبيعة، بمعنى مشابهة للحياة وليس صورة فوتوغرافية منها، تمثل لها وليس نسخا مباشرا لها، وقال الفيلسوف الإيطالى بنديتو كروتشى الفن تعبير وليس محاكاة، وخيال الفنان هو أساس هذا التعبير، ومن بعده جاء بليك ساندير ليضع لنا الطريق الذى نسير عليه ليقول، "الحكاية هي اسم اللعبة، والحكاية هى الفيلم، حكاية جيدة هى مفتاح دخول المملكة" العبارة لا تحتاج إلى توضيح فهى معبرة وشاملة وجامعة، من المؤكد أن المخرج محمد سامى أمسك بخيوط اللعبة وراح يحركها كيفا يشاء، نجح فى البعض من بينها مسلسل الأسطورة وجعفر العمدة وخسر الرهان فى البعض الأخر وهذه هى طبيعة الحياة التى نعيشها، والسبب فى ذلك هو التخمة التى تعانى منها المسلسلات التى تعتمد علي البطل الشعبى الوحيد الخارق للعادة الذى يفعل كل شىء بالإضافة إلى الملل الذى يصيب المشاهد بعد فترة من نوعية وحيدة ومكررة من الأفكار تعتمد على عنصر البطل الشعبى الخارق للعادة، مصطلح الأفلام التجارية التى ظهر في الثمانينيات من القرن الماضى، محمد سامى أعادة مرة أخرى مع تغير كلمة أفلام واستبدالها بالمسلسلات التجارية، أو الدراما التليفزيونية التجارية.
دائما المشاهد فى مصر يراهن على النجم فى بداية عرض المسلسل وما أن يخيب ظنه تجده يتنحى جانبا ويبتعد عنه، وبعد ذلك يبحث عن مسلسل أخر يكون بطله الحقيقى هو الفكرة والسيناريو والحوار وغيرها من عناصر العمل الدرامى، تمر الساعات الأولى من شهر رمضان والجميع يبحث عن المسلسل الذى يجذبه، إلى أن يصاب بالصدمة وتكون العادة هى النجاة له والمسيطرة عليه من استكمال الشهر ورؤية أى عمل درامى وخلاص، لأن المصريون عاشقون للفرجة فى رمضان بعد أن يلتهموا ما لذ وطاب على الفطار وتمتلىء المعدة، ومن بعدها تأتى الفرجة الدائمة خلال الشهر الكريم، الحقيقة أن المشاهد المصرى دائم الفرجة طوال العام.
كما يمكن توضيح بعض الملاحظات التى تحولت إلى ظاهرة ولابد من سردها وكتابتها وهى كمية الزعيق التى فاقت التوقعات بالإضافة إلى فتح العيون إلى آخرها للتعبير عن الغضب، وتعنى بالعامية المصرية "التبريق" بالإضافة إلى كادرات التصوير المكررة، ووقوف الممثلين في حلقات نصف دائرية معتادة، وتكرار تيمة البطل الشعبى، الذى يعيش وسط كائنات هلامية فى واقع خيالى مبنى على القوة والسيطرة وليس على الواقع المعاش، كما أن الملاحظة التى لابد من تدوينها هى أسماء المسلسلات بداية من "سيد الناس"و"فهد البطل"و"حكيم باشا" و"العتاولة" وغيرها من الأسماء المكررة من عدة سنوات والتى ترسخ للبطل المصاب بالتخمة للأنا العالية، ولا مانع من جعله يمارس يومه كما فى المسلسل، ولابد من وجود جزء ثانى وثالث ورابع مادام الحبكة الدرامية تعجب المخرج وكاتب السيناريو والممثل، كما أن الشخصية الخارقة التى تكسر وتهدم وتبنى وتعتدى على كل ما يقابلها أصبحت ظاهرة لابد من التخلص منها.
ولا مانع من بعض الحركات الاستعراضية التى تدل على عدم القدرة على رفع القدم من مكانها، مع وجود البديل الجاهز الذى يقوم بدور البطل القادم من عالم خيالى وهمى يعيش في مخيلته هو فقط، ومن بعدها يخرج علينا الفنان الفلانى ليتباهى بنفسه وأنه يحمل داخله مقومات الرجل النبيل والفتى العجيب والمثالى وابن الحى الشعبى الذي ينصر الغلابة ويحصل علي حقوقهم.
كما توجد نوعية أخرى من المسلسلات تعتمد على اليوميات وحكاوى ست البيت مع ولادها مع تكرارها كل عام، بالإضافة إلى كوميديا مفتعلة.
من المؤكد أننى لست ضد هذه النوعية من الدراما الرمضانية المؤقتة التى تنتهي بانتهاء الشهر الفضيل، ولكن علينا أن بحث عن بدائل درامية متنوعة.