شحاته زكريا يكتب: شرق المتوسط.. شراكة اقتصادية تعيد رسم المستقبل

في عالم تتحكم فيه المصالح الاقتصادية أصبح التعاون بين الدول أكثر من مجرد رفاهية بل ضرورة استراتيجية للبقاء. في قلب هذا المشهد برزت الشراكة الثلاثية بين مصر اليونان ، وقبرص كإطار اقتصادي قوي يُعيد تشكيل خارطة التعاون الإقليمي في شرق البحر المتوسط.
هذه الشراكة التي اكتسبت زخمًا خلال السنوات الأخيرة لم تأتِ من فراغ. إذ تُدرك الدول الثلاث أن موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية يمنحها فرصًا اقتصادية هائلة. القمة الثلاثية الأخيرة في القاهرة كانت بمثابة شهادة جديدة على التزام هذه الدول بتحويل هذه الفرص إلى واقع ملموس يُعزز مكانتها الإقليمية والدولية.
واحدة من أبرز ركائز هذا التعاون هي مشروعات الطاقة، خاصة الغاز الطبيعي، الذي يُمثل العمود الفقري لاقتصادات المنطقة. في ظل الاكتشافات المتزايدة لحقول الغاز في شرق المتوسط، أصبحت المنطقة محط أنظار العالم. مصر بقدراتها الإنتاجية والبنية التحتية المتطورة لتسييل الغاز تُعد بوابة رئيسية لتصدير هذه الموارد إلى الأسواق العالمية. أما اليونان وقبرص ، بموقعيهما الاستراتيجيين كجسر بين الشرق والغرب فتلعبان دورا محوريا في ضمان تدفق الطاقة بأمان وكفاءة.
إلى جانب الغاز يأتي مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان كواحد من أكبر الإنجازات الاقتصادية لهذا التعاون. هذا المشروع لا يهدف فقط إلى تصدير الكهرباء بل يعزز استقرار شبكات الطاقة في أوروبا، ويدعم تحول المنطقة نحو مصادر طاقة نظيفة ومستدامة. إنه استثمار طويل الأمد يعكس فهم الدول الثلاث لأهمية تكامل البنية التحتية في تعزيز الاقتصادات الوطنية.
لكن الصورة الاقتصادية لا تقتصر على الطاقة فقط. التعاون في مجالات النقل البحري وتطوير الموانئ يُمثل نقطة تحول أخرى. موقع الدول الثلاث على طرق التجارة العالمية يُتيح لها فرصًا ذهبية لتعزيز مكانتها كمحاور لوجستية تخدم التجارة بين أوروبا وآسيا وإفريقيا. هذا التعاون يفتح الباب أمام استثمارات جديدة تُسهم في تعزيز البنية التحتية وخلق فرص عمل.
علاوة على ذلك يشهد التعاون الثلاثي اهتماما متزايدا بقطاع السياحة. التراث الثقافي المشترك والتاريخ العريق الذي يربط هذه الدول يجعلها وجهة مميزة للسياحة متعددة الوجهات. خطط الترويج المشتركة يمكن أن تُعيد رسم خريطة السياحة في المنطقة وتجذب الملايين من الزوار الذين يتطلعون لاكتشاف تنوع الثقافات وجمال الطبيعة في شرق المتوسط.
القمة الثلاثية الأخيرة حملت أيضا وعودا بتعزيز التعاون في مجالات مثل التكنولوجيا والاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، والتبادل التجاري. هذه المجالات ليست فقط مصدرًا لنمو اقتصادي مستدام بل تُسهم أيضا في تمكين الشباب، وتعزيز الابتكار، وبناء اقتصاديات قائمة على المعرفة.
هذا التعاون الاقتصادي يُقدم نموذجا ملهما للعالم. في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي تحديات ضخمة، تُظهر مصر واليونان وقبرص أن الشراكات القائمة على المصالح المشتركة والرؤية الواضحة يمكن أن تصنع فارقًا. هذه الشراكة تُثبت أن الاقتصاد لا يقتصر على الأرقام ، بل هو أداة لتحقيق الاستقرار والتنمية وبناء مستقبل أفضل للشعوب.
ما يجمع هذه الدول ليس فقط المصالح الاقتصادية بل أيضا إيمانها بأن التعاون هو السبيل الوحيد لتحويل التحديات إلى فرص. من الطاقة إلى التجارة ، ومن السياحة إلى التكنولوجيا ، تُقدم هذه الشراكة درسا للعالم في كيفية استخدام الإمكانيات الاقتصادية لتعزيز السلام والاستقرار في منطقة مليئة بالتحديات.
في النهاية يُعيد التحالف الثلاثي صياغة دور شرق المتوسط على الخريطة الاقتصادية العالمية. هذا التحالف لا يكتفي باستغلال الموارد المتاحة، بل يُخطط لاستثمار مستدام يُحدث تغييرًا حقيقيًا في حياة المواطنين. إنه نموذج يُثبت أن الاقتصاد عندما يُدار بحكمة وتعاون يمكن أن يكون قوة إيجابية تُعيد رسم ملامح المستقبل.