شحاته زكريا يكتب: ميلاد جديد للأمل.. قيم المحبة والتعايش في وجه التحديات

مع مطلع كل عام جديد تأتي المناسبات الدينية الكبرى حاملة معها رسائل تتجاوز الاحتفال ، لتغرس في النفوس القيم الإنسانية الأسمى. عيد الميلاد المجيد ليس مجرد احتفاء بميلاد السيد المسيح عليه السلام ولكنه تجسيد حي لقيم المحبة والتسامح والتعايش التي تشكل جوهر الإنسانية. في هذا اليوم تتعانق الأديان ، وتتقارب القلوب ، وتتصافى النفوس ، ليعيد الوطن التأكيد على وحدته الصلبة التي لا تفرق بين أتباع دين وآخر.
في مصر تلك الأرض التي احتضنت على مدار تاريخها الطويل تنوعا فريدا من الثقافات والديانات يأتي عيد الميلاد المجيد كتجسيد حي لنسيج وطني واحد. مشهد المصريين ، مسلمين ومسيحيين وهم يتبادلون التهاني في هذه المناسبات الدينية ، يروي قصة وطن يتحدى كل المحاولات لتمزيق وحدته ، وطن تُبنى أواصره على التلاحم الإنساني قبل أي اعتبارات أخرى.
هذا المشهد الجميل يعكس طبيعة المصريين التي شكلها التاريخ حيث عاشوا معا متحدين أمام كل التحديات. لم تكن الأعياد الدينية في مصر أبدا مجرد طقوس خاصة بدين معين، بل كانت دائما أعيادا وطنية يحتفل بها الجميع. في الكاتدرائية، في المسجد، أو في الشارع ، يمتزج الفرح وتصدح القلوب بالدعوات الصادقة من أجل الخير والسلام للجميع.
وفي لحظات كهذه تبرز أهمية القيادة التي تدرك أن قوة الوطن تكمن في وحدة أبنائه. إن حرص الرئيس المصري على حضور قداس عيد الميلاد المجيد بشكل سنوي ليس مجرد بروتوكول سياسي بل هو رسالة حب واحترام وتقدير لكل مكونات المجتمع المصري. عندما نرى قياداتنا تحتفل مع شعبها دون تمييز ، نشعر بالطمأنينة بأن التعايش ليس شعارا براقا بل هو واقع متجذر في ثقافة هذا الوطن.
لكننا في خضم هذه المناسبات السعيدة لا نستطيع أن نتجاهل التحديات التي تواجه مجتمعنا. فالحفاظ على قيم التعايش ليس بالأمر السهل في عالم يموج بالصراعات والحروب. التحديات الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية التي تواجهها مصر ليست بعيدة عن محاولات البعض لزرع الفرقة وزعزعة الاستقرار. ومع ذلك فإن ما يميز الشعب المصري هو وعيه العميق بأن وحدته هي السلاح الأقوى لمواجهة أي خطر.
لا يمكن الحديث عن روح الميلاد دون الإشارة إلى الجهود الحقيقية التي تبذلها الدولة لتعزيز مفهوم المواطنة. إن تقنين أوضاع الكنائس، وإحياء مسار العائلة المقدسة، وتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، ليست مجرد إنجازات تشريعية، بل هي خطوات عملية لترسيخ قيم الوحدة الوطنية. هذه الجهود تعكس إيماناً عميقاً بأن بناء المستقبل يبدأ من تعزيز اللحمة الاجتماعية وإرساء مبادئ العدالة والمساواة.
وفي عالم تتسارع فيه الأحداث وتتعقد فيه التحديات، تأتي الأعياد لتذكرنا بضرورة العودة إلى الجذور الإنسانية التي تجمعنا. المحبة، التسامح، والتعاون ليست مجرد كلمات، بل هي أدوات للبناء والتقدم. مصر التي استطاعت أن تتجاوز أعتى الأزمات عبر تاريخها، ستظل منارة للتعايش وقبلة للتنوع.
إن الميلاد الجديد للسيد المسيح هو دعوة لنا جميعا لميلاد جديد لأملنا في مستقبل أفضل. علينا أن نجعل من كل مناسبة فرصة لتعزيز روابطنا الإنسانية، ولإعادة النظر في أولوياتنا كأفراد ومجتمع. الوطن ليس مجرد حدود جغرافية، بل هو كيان حي ينبض بحب أبنائه وإصرارهم على تحقيق السلام والازدهار.
ختاما بينما نحتفل بعيد الميلاد المجيد ، لنجعل من هذه المناسبة فرصة لتجديد التزامنا تجاه بعضنا البعض ، تجاه الوطن ، وتجاه القيم التي تجمعنا. كل عام ومصر وشعبها بخير، وكل عام ونحن أكثر وحدة، أكثر قوة ، وأكثر إيمانا بأن المستقبل يحمل دائماً أفقا مشرقا لمن يؤمن بالحب والعمل