الطريق
الأحد 8 سبتمبر 2024 03:36 صـ 5 ربيع أول 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
محافظ الغربية يتابع معدلات الإنجاز بملف التصالح والمرحلة الثالثة من الموجة الـ23 وزير الثقافة يشهد فعاليات النسخة الثانية من ”ملتقى العاصمة لفنون الطفل” بساحة دار الأوبرا المصرية محافظ الغربية يتابع رصف شارعي البروة والتأمين الصحي بمركز ومدينة بسيون 1224 مستفيدا من قافلة تنموية شاملة لجامعة القاهرة بقرية المعتمدية بالجيزة حسين لبيب يحيل عضو مجلس إدارة الزمالك للتحقيق بعد تجاوزات داخل النادي أحمد حجازي يكشف تفاصيل جديدة حول استبعاده من منتخب مصر: ”لم أقدم أي اعتذار” قبل عرضه بالسينمات.. طرح البوستر الرسمي لـ فيلم عاشق عايدة محى الدين تشارك فعاليات مؤتمر قمة مجموعة البريكس بروسيا إفتتاح 13 معرض ”أهلاً مدارس” بالبحيرة حتى الآن لتوفير المستلزمات الدراسية صفاء حسن تحرز الميدالية البرونزية في دورة الألعاب البارالمبية بباريس محافظة البحيرة تبدأ مرحلة التقييم للمشروعات الخضراء الذكية لتصعيد 18 مشروع متميز للمنافسة في المبادرة الوطنية التطورات جديدة بشأن مستقبل محمد صلاح مع ليفربول.. التفاصيل

في ذكري ميلاده.. لماذا يتم تجاهل «علي الكسار»؟ الذي نافس نجيب الريحاني وتفوق عليه

الفنان علي الكسار
الفنان علي الكسار

هو المخرج الوحيد لكل مسرحياته واستطاع منافسة خمس فرق مسرحية في وقت واحد

كان يكسب في اليوم مقدار ما تكسبه فرقة عزيز عيد ويوسف وهبي ونجيب الريحاني وفاطمة رشدي مجتمعين

هاجم بديع خيري عندما أخذ مسرحياته وقدمها لـ نجيب الريحاني

وصفوا مسرحه بالسوقي والمليء بالأسفاف رغم أن الريحاني قدم مسرحياته علي خشبة المسرح

أدي رسالته وتحمل الهجوم المنظم ضده

مات منبوذا وحيدا مرمي في مستشفي درجة رابعة في القاهرة

هل نسيتم كل ما فعله هذا الرجل الذي مليء الدينا ضحكاً، ماذا عساكم أن تقولوا؟ هل قرأتم تاريخ هذا البربري؟ ليتكم لم تقرؤوه حتي تجدوا لأنفسكم مبرر لهذا التجاهل المتعمد، تبحثون عن أشخاص أخرين، هو أولي من كل هؤلاء أن يضع في مصاف الكوميديان المصري الأول الذي نافس نجيب الريحاني وتفوق عليه.

هل هي مؤامرة ضد المبدع والمتألق علي الكسار أم أن الزمن قاسي والناس تنسي، ولا أحد يبحث عما راحوا وقدموا لنا تاريخاً مسرحياً، ولولا هؤلاء ما كان هناك تاريخ مسرحي نتفاخر به، لا تكونوا قاسين كما فعل به الزمن.

قديماً لم تكن تقبل شهادة الفنانين في المحاكم، ولا يتم الزواج منهم بين السادة والأشراف، حتي أن جريدة المؤيد في عام 1915 هاجمت الكاتب محمد تيمور الذي أشيع احترافه التمثيل في مسارح عماد الدين، رغم الهجوم ووصف مهنة الممثل بالفعل المخزي والعار علي كل من يعمل فيها، كان هناك أشخاص مخلصين لم يلتفتوا إلي قسوة المجتمع بل أرادوا تغيير نظرة المجتمع لهؤلاء الفنانين، ونجحوا في ذلك.

لم يكن علي الكسار المولود في حي البغالة بالقاهرة عام 1887 قادرا علي العمل في طهي الطعام وعمره تسع سنوات لانشغاله بمراقبة النوبيين المرتبطين بتلك المهنة من سفرجية وطباخين وبوابين، تعلق بهم وقلد تصرفاتهم في السلوك والحركة واللهجة، أخذه مع والده للعمل في مهنة السروجي لكنه فشل فيها وتركها.

يقلد الأصوات ويعشق الأرجواز الذي يصنعه من الورق المقوي ويقدم العروض أمام زملاءه عندما تعلق بهذا الفن المصري الأصيل، والده لم يتركه بعد فشله في تعليم الطهي بل ضربه علقة ساخنة لعدم التفرغ للعمل.

لم يبالي بخناق والده بل تعلق أكثر بالفن حتي التحق بدار التمثيل الزينبي بالسيدة زينب وعمره 19 عام ومنها عمل علي مسرح الكلوب العصري بالحي الحسيني ثم أعجب به الممثل الكوميدي مصطفي أمين وعينه في فرقته وابتكر له شخصية البربري ثم التحق بفرقة جورج أبيض التي انطلق منها ليصبح خلال سنوات قليلة جدا من أشهر فناني شارع عماد الدين، وأحد أهم المسارح الفنية في الشرق الأوسط في القرن الماضي.

هو لا يقرأ ولا يكتب ومع ذلك كان لديه قدرة علي ألقاء النكتة بصورة سريعة، كما يحمل ذاكرة حفظ قوية جدا، وكانت مسرحياته تستمر لمدة خمس شهور وأكثر، كم أنه كان منافسا لمسرحيات نجيب الريحاني وكان يقيم حفلتين في اليوم

ماتينيه وسواريه لإقبال المشاهدين علي مسرحه وهو المخرج الوحيد لكل مسرحياته واستطاعت مسرحياته منافسة خمس فرق مسرحية في وقت واحد وهذا الرجل كان يكسب في اليوم مقدار ما تكسبه فرقة عزيز عيد ويوسف وهبي ونجيب الريحاني وفاطمة رشدي مجتمعين.

علي الكسار الذي مات وحيدا منبوذا تألق علي خشبة المسرح وقدم 160 مسرحية علي مسرح كازينو دي باري، و190 مسرحي غنائية علي مسرح كابيتول.

داود حسني وسيد درويش والشيخ زكريا أحمد وكامل الخلعي وغيرهم من الملحنين الذي استعان بهم ولحنوا له أجمل الأغاني في مسرحياته، رغم كل ما قام به علي الكسار لم يتبقي من مسرحياته ولا مسرحية واحدة وبقي من تراثه المليء بالفخر بعض من أفلامه القليلة منها سلفني ثلاثة جنيه، وعلي بابا والأربعين حرامي، ونور الدين والبحارة الثلاثة، ودفنوا أعماله معه في المقبرة، ولم يعد أحد يتذكر ما فعله هذا الكوميديان الذي أرسي قواعد فن المسرح.

رغم شهرته كـ بربري مصر الوحيد فهو لم يكن نوبيا ولا جنوبيا وكانت بشرته بيضاء لكن علاقته بالجنوبيين في طفولته اختزنها وأخرجها فنيا وكان يدهن وجهة بصبغة من صناعته ليتقن الدور.

كما أن الأغنية الشهيرة "محسبوكم داس" تلحين العبقري سيد درويش كان أول من أداها هو علي الكسار بصوته في مسرحية، وقال فيها: "محسوبكم داس صبح محتاس، مسحت الكرسي ياناس، مافيش فلوس ما فيش ملحوس فلستو".

جريدة أهل الفن محررها الفني أجري معه حوار وجاء بعنوان، «علي الكسار يطلب الستر ويهاجم بديع خيري»، كان علي الكسار يجلس تحت ظل شجرة في حديقة الجمعية الزراعية حيث يشغل المسرح الشعبي جناحا من أبينتها الضخمة، وسأله المحرر لماذا فشلت الفرقة المسرحية التي ألفتها، كان رد الكسار لأن الجميع كان يريد لها الفشل، لأنني لم أجد العون لا من أخوتي ولا من العاملين معي، وطلب مني أحد المتعهدين للحفلات أعادة تكوين الفرقة مرة ثانية لكنني رفضت، ولماذا رفضت لأنني لم أطلب سوي الستر، ساعتها تأثر علي الكسار وأنحني برأسه نحو الأرض وقال: «هل هناك في التاريخ القديم والحديث أكثر من ربح من الشيخ سلامة حجازي، ورغم ذلك عندما أصيب بالمرض لم يجد ثمن الدواء وعندما مات لم يجدوا معه مال وتكفلت بدفنه السيدة منيرة المهدية والحاج مصطفي حفني، وعلي الرغم من أن علي الكسار حكي وطلب من الله إلا يكون مصيره مثل الشيخ سلامة حجازي ولكن حدث له بعد ذلك كان أبشع من سلامة حجازي.

وأضاف علي الكسار مخاطبا الصحفي، لقد أدينا رسالتنا وتحملنا الهجوم المنظم حينما هاجمونا أننا لم نقدم مسرح إلا لون واحد هو المسرح السوقي المليء بالأسفاف، وهذا كلام فارغ وليس له علاقة بالواقع، لقد قدمنا النصوص المسرحية العالمية وقد عمل معي بديع خيري لمدة عشر سنوات وعرف كل شيء عن الفرقة وعن المسرحيات التي نقدمها وعندما تركني ذهب بها إلي نجيب الريحاني وغير فيها وأدخل بعض التعديلات علي النصوص المسرحية التي كنت أقدمها، أن مسرحية حكم قراقوش هي نفس رواية حكم زفتي، كما سمعت مسرحية أخري لنجيب الريحاني هي نفس روايتي التي قدمتها علي خشبة المسرح بعنوان الحساب، كما أن رواية حسن ومرقص وكوهين مترجمة بالنص من الفرنسية المقهي الصغير وقدمتها قبله، لماذا تهاجمون مسرحياتي رغم أن نجيب الريحاني قدمها بعدي .

كما سأله المحرر بديع خيري مؤلف قدير هل يعجز عن التأليف، رد عليه علي الكسار قائلا: ليس بديع خيري مؤلفا بحال من الأحوال، بل هو زجال كبير وهو من هذه الناحية فوق العين والرأس أما التأليف فليس مهنته، والمسرحيات التي ألفها لم تكن مسرحيات بالمعني الصحيح بل كانت حواديت من ألف ليلة وليلة وليس له فضل في تأليفها، وهذا ليس هجوما علي بديع خيري وأنما تقرير للحقائق التاريخية وأنا الأن رجل قد انتهيت ولا يهمني أهاجم هذا أو ذاك، ولكن من واجبي أن أدافع بكلمة صغيرة عن لون الفن الذي كنت أقدمه وكنت دائما متهما بالسوقية والأسفاف وهذا في الواقع كلام خطير يحتاج إلي بحث وتمحيص ولا يمكن أن يوصف فن علي الكسار بهذا الوصف.

هذا ما قاله الفنان العبقري علي الكسار لم يكن يطلب التكريم بل الستر، هل فعلوا معه هذا؟ لا علي العكس تماما ظل علي الكسار منبوذا.

حاول أن يعيد نفسه مرة ثانية ووضع كل ما جمعه من مال خلال عمله في المسرح وإنتج فيلم "بواب العمارة" مع شركاء كما شارك في كتابة سيناريو الفيلم وقام بالبطولة بدو أجر، في محاولة منه حتي يستعيد مكانته التي فقدها في السينما ولكن لم يحقق الفيلم النجاح المطلوب وخانوه الشركاء وتركوه مديون وظل أعواما يسدد ديونه لنبك مصر.

خسر علي الكسار كل شيء وهجره المخرجون ولم يطلبوه بعد ذلك إلا نادرا وحدث ذلك في دور كومبارس في فيلم أمير الانتقام عندما تقمص شخصية العبد نور والخادم عثمان في فيلم قسمة ونصيب ومشمش في فيلم جزيرة الأحلام.

بعد أن ضاقت عليه الدنيا قرر في عام 1950 أن يرسل خطاب لوزارة الشئون الاجتماعية يشرح فيه حالته المتدنية ولم يعد قادرا علي تحمل الحياة طالبا أن يجدوا له عمل وبالفعل ردت عليه الوزارة وعرضت عليه عمل في المسرح الشعبي بطنطا، وكان ساعتها علي الكسار قد وصل إلي سن 63 عام ولم يكن له دخل ثابت بعد أن سدد ديونه، فلم يكن قادرا علي الذهاب أو التحرك.

وأجر غرفة بالاشتراك مع أخرين في شارع أحمد ماهر حتي اشتد عليه المرض ونقل إلي المستشفي ليموت علي سرير درجة ثالثة في 15 يناير عام 1957.

ها هو تاريخ علي الكسار بشكل مختصر ليكون دليلاً علي أن هذه الكوميدان الفذ لم يأخذ حقه لا في الدنيا ولا بعدما رحل عنا، حيث تم تجاهله بطريقة توحي أنها متعمدة، أعيدوا لهذا الرجل كبرياءه أختاروا أسبوعا ليكون ملك علي الكسار في إحدي مسارح وزارة الثقافة أو كرموه مرة ثانية وثالثة ورابعة حتي يأخذ حقه بدل تكريم أخرين لم يقدموا للمسرح المصري شيء.

علي الكسار ولد في 13 يوليو 1887 وتوفي في 15 يناير 1957، رحم الله هذا الكوميديان الكبير.