الطريق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 02:51 مـ 17 ربيع أول 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

استمرار دعم حيازة السلاح بأمريكا رغم تزايد جرائم العنف.. من المستفيد؟

تظاهرات في أمريكا ضد حمل الأسلحة النارية
تظاهرات في أمريكا ضد حمل الأسلحة النارية

فيما تتزايد الجرائم العنصرية المسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية رعباً وتطرفاً يوماً بعد يوم، يتمسك نواب أمريكيون - بخاصة من الحزب الجمهوري - بدعم استمرار حيازة السلاح لجميع أفراد الأسرة، وسط استمرار لسياسات بيع الأسلحة التي يكفلها الدستور الأمريكي لجميع الأفراد.

وعلى وقع جرائم العنف والكراهية المتصاعدة في المجتمع الأمريكي، احتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، للمطالبة بقوانين أكثر صرامة على حمل وحيازة السلاح في أعقاب عمليتي إطلاق نار جماعي.

وحمل المشاركون في مئات المسيرات شعارات احتجاجية على حيازة الأسلحة مثل: «أريد الحرية في عدم التعرض للرصاص»، وهو ما أيّده الرئيس الأمريكي جو بايدن، ودعا الكونجرس إلى تمرير تشريع لحمل السلاح.

ويأتي تجدد الدعوات لاتخاذ إجراءات بشأن السيطرة على الأسلحة في الولايات المتحدة، في أعقاب الهجوم المسلح الذي قتل فيه 19 طفلا وشخصان بالغان في 24 مايو في مدرسة «روب» الابتدائية في أوفالدي بولاية تكساس.

وقبله بأيام ارتكب شاب أبيض مجزرة في حي بوفالو شمال نيويورك، حينما فتح النار عشوائياً في أحد المتاجر، ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص، معظمهم أمريكيون من أصول إفريقية.

لم يكن مرتكب هذه المجزرة متردداً، لقد استعد جيداً بارتداء زي عسكري وسترة واقية من الرصاص، وبثّ جريمته بفخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

وبحسب بيانات برنامج «مراقبة الأسلحة»، فقد بلغ عدد البنادق في الولايات المتحدة نحو 393 مليون بندقية، أي أكثر من عدد السكان.

ووفق منظمة «جان فايولنس أركايف»، فإن الأسلحة النارية تسببت في مقتل نحو 45 ألف شخص في الولايات المتحدة عام 2021، من بينها نحو 24 ألف حالة انتحار.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المرجح أن تصطدم أي فرص لتغيير القوانين الخاصة بحيازة السلاح برفض الجمهوريون.

وفي سياق تلك الظروف، يرى الدكتور أحمد ذهني أستاذ العلوم السياسية لدى جامعة كوبين ستيت في بالتيمور، أنه سيكون من الصعب تمرير إجراءات حول حيازة السلاح من خلال الكونجرس، لأن مجلس الشيوخ مقسم حاليا بالتساوي بين الديمقراطيين والجمهوريين.

وقال ذهني، في تصريحات لموقع «الطريق»، إنه رغم امتلاك نائبة الرئيس - الديمقراطية - كامالا هاريس الصوت الحاسم، إلا أنه وفق قواعد مجلس الشيوخ، يحتاج أي تشريع إلى دعم 60 عضوا لتمريره، لذلك لابد من بعض الدعم الجمهوري.

ونوه أستاذ العلوم السياسية إلى أن الجمهوريين أعاقوا قوانين مهمة تتعلق بالرقابة على الأسلحة في الماضي، لأنهم يرون أن امتلاك السلاح من الحقوق التي نص عليها الدستور، ويعتبرون أن السلاح هوية أمريكية ويرفضون أي قوانين أو تشريعات يتقدم به الديمقراطيون لفرض قيود على امتلاك السلاح.

جدل بين الجمهوريين والديمقراطيين

أكدت مرح البقاعي الباحثة في السياسات الدولية، أن حرية استخدام السلاح دائما محل جدل سياسي بين بين الحزبين الرئيسيين؛ الجمهوريين والديمقراطيين وتستخدم في المزايدات الانتخابية.

وأوضحت البقاعي، في تصريحات لموقع «الطريق»، أن الديمقراطيين يرون قصر الحق في حمل السلاح على الولايات المكونة للاتحاد الأمريكي وأن الآباء المؤسسين أرادوا هذا الحق لأمريكا الفيدرالية وهذا ما يعرف بـ«التفسير الجماعي للحق»، ويطالبون بضرورة إعادة النظر في «الحق المطلق للفرد» بسبب المستجدات التي طرأت على المجتمع الأمريكي واستخدام هذا الحق في الحوادث المتكررة، بينما يرى الجمهوريون أن امتلاك السلاح هوية أمريكية يدعمها الدستور، ويعرفون بأصحاب «التفسير الفردي».

وأضافت أن شرعنة تجارة السلاح وتملكّه في الولايات المتحدة، يعارض استمرارها التقدميون لكن اليمين المحافظ يتشبث بها بقوة، وانتشارها المرعب في المجتمع الأمريكي له أسباب كثيرة أهمها الأساس القانوني حيث ينص الدستور على أنه: «لا يجوز انتهاك حق الناس في تنظيم الميليشيات واقتناء الأسلحة وحملها كون ذلك ضرورة لأمن الدولة الحرة».

ونوهت البقاعي، إلى أن القانون الأمريكي يسمح لمن هم في عمر الـ 18 و19 و20 عاما بشراء المسدسات والبنادق العادية لكن يمنعهم من شراء الكحول والدخان.

وتابعت أن هناك أبعاد أخرى مثل البعد السيكولوجي (الخوف) الذي يغذيه العنصرية، فأكثر الذين يشترون السلاح يقولون إنه للحماية الشخصية وأنهم يخافون من العنف والجريمة ولا يشعرون بالأمان، كما أن هناك بعد اجتماعي يعكسه نفوذ هائل للوبي السلاح، وذلك له تأثير ضخم على صناع القرار في واشنطن وفي معظم الولايات عبر الرشاوي التي تدفعها هذه الشركات إلى السياسيين وكذلك النفوذ الكبير للجمعية الوطنية الأمريكية للبندقية (NRA) والتي تضم حوالي 5 ملايين عضو.

وفي الأسابيع الأخيرة، تعهدت مجموعة من مفاوضي مجلس الشيوخ من الحزبين بالتوصل إلى اتفاق للسيطرة على الأسلحة، على الرغم من أنهم لم يتوصلوا بعد إلى اتفاق.

وتركز جهودهم على تغييرات متواضعة نسبيا، مثل تحفيز الدول على تمرير قوانين «العلم الأحمر» التي تسمح للسلطات بمنع الأفراد الذين يعتبرون خطرا على الآخرين من حيازة الأسلحة.

وصوّت مجلس النواب الأمريكي هذا الأسبوع على سلسلة من الإجراءات التي تنظم بيع الأسلحة النارية، لكن معارضة الجمهوريين في مجلس الشيوخ تعني أن فرصة تحول مشروع القانون إلى تشريع قانوني ضئيلة.

التشبث بتجارة السلاح

يشرع دستور الولايات المتحدة تملُّك السلاح للمواطنين البالغين، بينما في السنوات الأخيرة ومع تزايد حوادث إطلاق النار العشوائية، بخاصة بالمدارس، تنامت رغبة داخل قطاع كبير من الأمريكيين بضرورة وضع حد لتهديد السلاح المنتشر من دون أي رقابة.

وحمل الحزب الديمقراطي وتياره التقدمي على وجه الخصوص على عاتقه الترافع حول هذه القضية والدفع بإقرار سياسات تقنين تجارة السلاح.

وكان الرئيس جو بايدن وعد خلال حملته الانتخابية بإصدار تشريع حازم لتشديد إجراءات بيع السلاح، وحظر جميع مبيعاته عبر الإنترنت كما حظر تصنيع الأسلحة الهجومية وبيعها.

وأمر البيت الأبيض شهر مارس عام 2021 مجلس الشيوخ بتشريع قانون يشدد إجراءات تجارة السلاح، ولكن هذا القانون يصطدم بعقبة سياسية حقيقية، إذ يحتاج أي إجراء لتقنين الأسلحة إلى 10 أصوات من الجمهوريين في مجلس الشيوخ لتمريره، هذا ما يظل ممتنعاً لتشبث اليمين المحافظ بتلك التجارة.

ويعارض الجمهوريون مشاريع القوانين الهادفة إلى تشديد إجراءات بيع السلاح لأنهم يرون أنها «تحد من حرية الأمريكيين في امتلاك الأسلحة»، كذلك لعلاقاتهم الوثيقة بجماعات الضغط التي تعمل لصالح شركات السلاح، وبالخصوص الأموال الطائلة التي تمنحها هذه الجماعات لأعضاء الحزب المحافظ، على رأسها «الجمعية الوطنية للأسلحة النارية» التي تلعب دوراً كبيراً في عرقلة أي قانون لتشديد إجراءات تجارة الأسلحة، وترى في مشروع القانون الأخير «إجراء غير دستوري لا يليق بالولايات المتحدة الأمريكية وتعارضه بشراسة».

انتشار السلاح

يمثل انتشار الأسلحة بالولايات المتحدة تهديداً كبيراً للسلامة العامة، إذ تتزايد سنة تلو الأخرى حوادث إطلاق النار العشوائي واستهداف المدنيين.

وسجَّلت أمريكا أكثر من 600 إطلاق نار خلال سنة 2020 وحدها، مقارنة بـ419 خلال سنة 2019، و25 من هذه الحوادث أدت إلى قتل جماعي.

وبحسب إحصائيات مؤسسة «إفري تاون للأبحاث»، فخلال 12 سنة الماضية راح أكثر من 1280 أمريكياً ضحية لحوادث إطلاق نار عشوائي وربعهم كانوا أطفالاً مقابل 973 جريحاً.

وتعد المدارس أحد الأماكن الأبرز لحدوث عمليات إطلاق النار العشوائي، ففي سنة 2021 جرى رصد 29 إطلاق نار داخل المدارس راح ضحيتها على الأقل 11 شخصاً وجرح 48.

وسجل حتى الآن في الولايات المتحدة 138 حادث إطلاق نار في الأوساط المدرسية من بينها 26 أدت إلى قتيل أو قتيلين في كل مرة.

وتشهد الولايات المتحدة بشكل شبه يومي عمليات إطلاق نار وقتل في أماكن عامة، بينما سجلت عدد من المدن الكبرى مثل نيويورك وشيكاغو وميامي وسان فرانسيسكو زيادة في الجرائم المسلحة، خصوصاً منذ بدء جائحة كورونا.

اقرأ أيضا: مقتل 3 أشخاص وإصابة 11 في هجوم مسلح بأمريكا