في الذكرى الثالثة.. أهالي شهداء معركة البرث يفتحون قلوبهم لـ”الطريق”

والد "هرم": كان ذراع المنسي وعينه واعتبره أخًا له
والد خالد مغربي: "ابني عُرِف بلقب دبابة" للياقته البدنية وشجاعته ومات قبل أن يرى ابنه
والد الشهيد محمد السيد "ماسة": ابني لاقى ربه قبل خِطبته بأسبوع
والد الشهيد أحمد عمر شبراوي: لم أصدق خبر وفاته لأنه أخفى علي عمله في سيناء
يوافق اليوم، الذكرى الثالثة لمعركة البرث التاريخية، التي ما زال صداها يرن في أذان المصريين، انتصر فيها شهداء الوطن على التكفيريين، رافضين أن تنال يد مغتصب من أراضي سيناء، معلنين عن معركة دامية استمرت لساعات طوال، دون كلل ولا خوف، بقلوب قوية، وأقدام ثابتة رغم الإصابات المتفرقة في الجسد.
ظِل منسي.. الهرم
عُرف الجندي محمد محمود محسن "هرم"، وسط أصدقائه بأنه ظل الشهيد أحمد صابر المنسي، وكان الأقرب لقلبه، حتى إنه كان يذهب معه في كل المداهمات، وحاول أن يبقى معه فوق سطح المنزل الذي استشهد عليه القائد المنسي لكن الشهيد حسن الأمر بجملة "خليك يا هرم وأثبت مع إخواتك".
قال والد الشهيد محمد محمود محسن هرم إنه كثيرا ما أحب منسي، واعتبره قدوته، فكنت أقول له بعاطفة أب "تلاقي الضباط مرتاحين، وانتوا طالع عينيكم علشان غلابة"، ليرد سريعا بأن ذلك غير صحيح، ويسرد له بطولات منسي، ومدى قربه له فكان يساعده ويحميه، وحكى أصدقاؤه الناجون من موقعة البرث أنه عندما وجد أن الذخيرة الخاصة به قد نفدت، وضع سلاحه بجانبه وكان يلقي بالحجارة على التكفيريين، لتنال منه رصاصات الغدر ويسقط شهيدا.
وأضاف والد الشهيد: "حصل ابني على لقب (هرم) من الشهيد البطل المقدم رامي حسانين، لشجاعته التي كانت ترهب التكفيريين، ولأنه كان ينفذ كل ما يطلب منه على أكمل وجه، تولي "المنسي" قيادة الكتيبة 103 بعد العقيد رامي ولاحظ شجاعته فأخذ يعامله كأخ له".
دبابة معركة البرث.. استشهد داخل دبابته
لو راجعنا كلمات أغنية "قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه"، سيتردد في ذهنك مقطع "خالد مغربي دبابة.. بطل وجنبه احنا غلابة"، كلمات وصفت بسالة أحد مقاتلين معركة البرث، الذي تغنى شعب بأكمله باسمه "خالد مغربي".. أحد أبناء مدينة طوخ بالقليوبية، المغربي، حصل على الثانوية العامة، وأعلن عن رغبته في دخول الأكاديمية البحرية، لكن سرعان ما عدل عن رأيه ودخل الكلية الحربية وتخرج فيها منتصف عام 2014، ذهب ليؤدي خدمته فى سيناء ضمن أبطال الكتيبة 103 صاعقة، تاركا خلفه طفلا صغيرا وزوجة"، بهذه الكلمات بدأ محمد مغربي والد الشهيد حديثه لـ"الطريق"، مفتخرا بسيرة ابنه الطيبة وسط أصدقائه في العمل وفي بلدته.
وأضاف والد الشهيد خالد المغربي المشهور بـ"الدبابة"، أنه أدى 41 مداهمة في ثلاث سنوات خدمها فى سيناء، وكانت له علاقة طيبة بالشهيد أحمد المنسي، ومعلمه رامي حسنين، وكان مسؤولا عن قوات الدعم الكمائن في مربع البرث، فوجئ بنداء الشهيد المقدم أحمد منسى عليه بالاسم، وقت الهجوم المسلح لعناصر تكفيرية على الكمين بأسلحة ثقيلة.
ويكمل: "على الرغم من أن (دبابة) كان قد صلى في كتيبته استعدادا للعودة إلى منزله، لأنه كان سينتقل من سيناء للإسكندرية، وذلك أحزنه بشدة، لأنه دائما ما كان يطلب الشهادة، حتى إنه قال لوالدته قبل وفاته إنه سيموت في أراضي سيناء مدافعا عنها.
بصوت أقرب للبكاء، أكمل والد الشهيد خالد المغربي: "علمنا بعد ذلك أن (الدبابة) ذهب مسرعا بقوات دعم تجاه الكمين وكان دائما ما يتقدم الجنود، ليضع روحه على الطريق ليمهده لهم، فلو قابل عبوة ناسفة أو رصاصات غدر يكون أول من يتلقاها عن أصدقائه، وبالفعل تعامل مع أكثر من إرهابي في الطريق، حتى فوجئ بسيارة دفع رباعي وبها متفجرات.
وأضاف "عندما انفجرت السيارة انقلبت الدبابة، وأصيب كل من فيها، وخالد كان على قيد الحياة لكنه مصاب، ولم تمر دقائق ووجد الجنود أنه قد توفى إثر إصابته.
واختتم والد الشهيد خالد مغربي حديثه قائلا: "حكوا لنا عن موافقه، وعن قراءته الدائمة للقرآن، ولم أكن أعلم أن ابني كان يتعرض لكل تلك الأهوال، لكني عرفت سبب تسميته بالدبابة بعدها، وفخور بما فعله.
ماسة.. اسم على مُسمى
كان الشهيد الرقيب محمد السيد إسماعيل رمضان، أحد رجال ملحمة البرث، الذي ظل يبحث عن الموت طوال معركته مع التكفيريين، وكأنه الموت خاف منه، إلى أن نالت منه رصاصات الغدر.
"مات أبو ضحكة بريئة القلب الطيب".. بهذه الكلمات بدأ والد الشهيد البطل الرقيب محمد السيد إسماعيل رمضان، حديثه لـ"الطريق"، وأن صغيره كان فنانا موهوبا، يحب الرسم، ويحول كل ما حوله للوحات فنية متقنة، حتى الجدران، وكان له "أجندة" صغيرة يرسم فيها ويكتب خواطره، في الفترات الأخيرة قبل استشهاده امتلأت بجمل عتاب للشهداء من أصدقائه، الذين تركوه ورحلوا، لم يكن الشاب العشريني يدري أن ما كتبه سيرد له، ليلوم أصدقائه على تركه لهم، وأن ما تمناه كتب له، ليفصل بينه وبين استشهاده عدة أسابيع من كتابته لذلك.
وأضاف والد الشهيد البطل أن ابنه تخرج في معهد ضباط الصف، وزملاؤه بالمعهد رووا أنه طلب أن يخدم في سيناء، بحبه الشديد لقصص البطولة التي تروى عن شهدائها، ونال ما تمناه بذهابه لأراضي الفيروز، لطالما حكى لأهل بيته عن البطولات التي يسطرها شهداء الجيش المصري، ولكن والده الموظف البسيط كان يخاف عليه كثيرا بسبب شعوره كأب.
وأكمل: "نزل آخر إجازة وكان يحكي عن ما يفعله معه الضابط أحمد المنسي، فرددت عليه بأنهم يتركونهم في وجه الصعوبات وهم مرفهون، ليرد بسرعة وبدون تفكير أن ذلك غير صحيح، فلا فرق بين قائد وجندي وعسكري، يعملون سويا، وكل الظروف تطبق عليهم بلا استثناء، واتصل بالمنسي حتى يؤكد لي مدى ارتباطه بهم، وحبهم له، وبالفعل كان شخصا ودودا وتحدث معنا وظل يمدح في "ماسة".
وأما عن يوم استشهاده فحكى والد البطل أنه كان قد تحدث معه يوم الخميس، قبل استشهاده بعدة ساعات فقط، يبلغه بأنه قد جهز لخطوبته على إحدى بنات قريته، وأنهم اتفقوا على كل التحضيرات واشتروا الذهب، وكان فرحا بكل تلك التفاصيل، وفوجئ في اليوم التالي بقريب له يقترب مني وهو خارج من المسجد ليسألني عدة أسئلة عن هاتفه وسبب عدم متابعته لما يكتب على صفحات مواقع التواصل، فسأله عن السبب ليجيب "قائد ابنك في الكتيبة مات".
"الشبراوي".. الشهيد الحي
"أحياء في قلوبنا لا يموتون" جملة تصف أبطال كمين البرث، حكايات بداية سطرت أسمائهم في سجلات الشهداء بحروف من ذهب، كان يفضل كل منهم الآخر على نفسه، ومنهم الشهيد أحمد عمر الشبراوى، الذي تقدم أصدقائه ليمهد لهم الطريق بروحه.
قال عمر الشبراوي والد الشهيد: "ابني كان يحب أصدقائه، ويتحدث عنهم بشكل دائم، لطالما ذكر أنهم سيذهبون الجنة سويا، بعد استشهادهم وهم يدافعون عن أرض الوطن، وذلك مما حكاه الناجون من ملحمة البرث عن بطولاته، وأنه تقدمهم بعدما بدأ الهجوم الإرهابي على الكمين، حتى يتلقى كل المخاطر عنهم".
وأضاف والد الشهيد أحمد عمر الشبراوي أنه لم يكن يعلم أن ابنه يعمل في سيناء، حتى إنه فوجئ باستشهاده في معركة البرث، وظل يردد أن ابنه لا يعمل هناك، واندهش والده من موقفه وخدمته في سيناء على الرغم من حبه الشديد لابنه عمر، لكن ذلك لم يمنعه عن تلبية نداء الواجب، ولم يطغَ على حبه لبلاده، وتوفي وزوجته حامل في ابنته تالين.