الطريق
الخميس 9 مايو 2024 07:47 مـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

«الذكاء الاصطناعي» والكذب على العقل البشري

من واقع تجربة عملية لأكثر من شهرين، أجد أنه لا يمكن الاعتماد على شات جي بي تي وبرامج الذكاء الاصطناعي المشابهة، -بالوقت الحالي على الأقل- في مجال العمل الصحفي أو البحثي إلا في جوانب محدودة.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي عبقرية بلا شك في تأليف النصوص وصياغتها ببراعة، لكن يجب أن لا ننخدع في المعلومات التي تقدمها لأنها غير دقيقة، ولا يمكن الاستناد مطلقا إلى ما تقدمه من بيانات أو إحصاءات أو معلومات، والوثوق في إجاباتها.

في أحيانِ كثيرة قدم لي شات جي بي تي Chat GPT، وكذلك براد Bard، وشات سونيك Chatsonic، معلومات وهمية، واصطنع لها مصادر غير موجودة.

على سبيل المثال، عندما سألت شات جي بي تي عن تاريخ العلاقات السياسية بين بلدين في أفريقيا وآسيا، للحصول على معلومات تساعدني في إعداد مقال، قدم لي الكثير من المعلومات حول أحداث مشتركة وقعت في أزمنة سابقة فكنت سعيدا ومندهشا لما أراه من ترتيب وتنسيق وعمل يبدو دقيقا، لكن عندما بحثت مصادفة عن إحدى المعلومات الواردة ولم أجد لها أصلا، ذهبت أبحث عن غيرها وغيرها وفي كل مرة كانت الصدمة أشد، حيث يزعم وجود اتفاقيات مشتركة ويذكر تاريخ توقيعها بينما لا أساس لعدد منها، وكذلك زيارات متبادلة في تواريخ محددة بين رئيسا البلدين لم تحدث مطلقا، أما المصادر وأغلبها روابط لمواقع إما لمؤسسات حكومية أو صحفية، فكانت لصفحات وهمية لا تفتح عند النقر عليها.

أما براد فهو يعرف أنني صحفي، لكنه يزعم أنني عملت في وسائل إعلامية كبرى لم يسبق لي العمل فيها، وأنني تخرجت من جامعات لم أدرس فيها وحصلت أيضا على الدكتوراة، كما أجريت وفق زعمه لقاءات مع شخصيات لم يسبق لي مقابلتها.. ففي إحدى المرات قدمني على أنني باحث بارز في الملف التركي وأنني توليت رئاسة تحرير صحيفة تركية بعد أن سافرت للعمل هناك بينما لم يسبق لي زيارة تركيا، كما يزعم أنني ألقيت محاضرات في جامعات كبرى، وقد أعطاني تاريخ ميلاد أكبر من عمري الحقيقي بسنوات، وتاريخ تخرج غير حقيقي.

في الحقيقة هو نسج هذه الرواية استنادا إلى ثلاث كلمات تسبق اسمي في المواقع الإلكترونية "صحفي وباحث بالشأن التركي".

وعندما قررت أن أسأل شات جي بي تي في وشات سونيك وبراد عن الملف الذي تخصصت به منذ أكثر من 6 سنوات، قدموا لي معلومات 40% منها على الأقل خاطئ تمامًا، والباقي سليم، والغريب أن ثلاثتهم اتفقوا على أن "استعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا" الذي تم هذا العام 2023، من المفترض أنه حدث في عام 2016 وفق زعمهم.

صحيح أن برامج الذكاء الاصطناعي تكون إجاباتها على بعض الأسئلة "لا أعرف" وتقر عند بداية الاستخدام بأن الإجابات تكون أحيانا "غير دقيقة"، لكنها في كثير من الأحيان تصطنع إجابات بالاستناد إلى ما هو متوقع حدوثه ويمكن تصديقه، وليس إلى معلومة دامغة ومثبتة، بمعنى أنها تشكل الإجابة في كثير من الأحيان بناء على المعطيات المقدمة فقط.


بالنسبة لي هذه البرامج مناسبة لتوليد النصوص، ويمكن توظيف ذلك في كتابة المحتوى -غير البحثي، وغير الصحفي-، وكذلك صياغة الخطابات والسير الذاتية، أي إلى كل ما يحتاج إلى تعبيرات جاهزة. والاستفادة من الأفكار التي تطرحها والإمكانات التي تقدمها يمكن أن يكون بعيدا عن أي عمل بحثي أو صحفي، لاعتماد هذا المجال على المعلومة المستندة إلى مصدر مؤكد، وإلا فهي بالنسبة لنا مجرد "شائعة".

وأكثر ما يمكن أن نخشاه هو استغلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي عمدًا في "الدعاية المضللة" والترويج للأكاذيب، لتحقيق أهداف غير أخلاقية.

وبرأيي يمكن اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي لكتابة أكواد برمجية، وحل معادلات رياضية، واقتراح خطط تسويق إلكتروني، وترجمة نصوص بلغات مختلفة، وتأليف حتى نصوص غنائية أو مسرحية؛ أما جمع المعلومات وتحليلها واستخلاص نتائج حقيقية، فهو أمر يحتاج إلى فكر وإدراك وعقل بشري، وليس كذب اصطناعي.