الطريق
جريدة الطريق

الرئيس السيسي في الخليج.. تثبيت التحالفات وترسيخ أركان الاستقرار

شحاته زكريا -

زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى كل من قطر والكويت لم تكن مجرد جولة بروتوكولية ، بل كانت تعبيرا عن مسار سياسي واضح تتبعه مصر في السنوات الأخيرة يقوم على تثبيت أركان التحالفات الإقليمية في لحظة بالغة التعقيد وتحويل التنسيق السياسي إلى شراكات اقتصادية حقيقية. فالتحرك المصري في الخليج يتجاوز مفردات الدبلوماسية التقليدية ، ليتكامل مع مشروع استراتيجي لإعادة ضبط إيقاع المنطقة وسط صراعات متشابكة من غزة إلى الخرطوم ، مرورا ببيروت ودمشق .. في قلب هذا المشهد تحاول القاهرة أن تبني دوائر تأثيرها بأدوات متعددة أبرزها المبادرات الإنسانية، الدبلوماسية الهادئة، والانفتاح الاقتصادي.

اللقاء بين الرئيس السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد وما تلاه من بيان مشترك أرسل رسالة واضحة بأن مصر وقطر تملكان الآن مفاتيح رئيسية في الملف الفلسطيني. التوافق على رفض التهجير والدعوة لوقف فوري ومستدام لإطلاق النار ، والدعم الكامل لحل الدولتين ، لم يكن مجرد استعراض سياسي ، بل تعبير عن نقاط التقاء تدعم مسار الوساطة الذي بات قائما فعليا ، وتشارك فيه القاهرة والدوحة إلى جانب واشنطن. وفي الوقت الذي يتصرف فيه الاحتلال الإسرائيلي كقوة خارجة عن القانون الدولي تبدو هذه المواقف المشتركة حصنا إقليميًا للدفاع عن المبادئ الأساسية للقضية الفلسطينية ويبدو أن القاهرة والدوحة رغم ما بينهما من تباينات سابقة تلتقيان اليوم على أرضية براغماتية جديدة تضع مصلحة الشعوب فوق الحسابات الضيقة.

لكن ما يميز هذه الزيارة أيضا هو بعدها الاقتصادي الواضح إذ إن الحديث عن استثمارات قطرية بقيمة 7.5 مليار دولار ليس تفصيلًا ثانويا.بل مؤشر على الثقة في الاقتصاد المصري ، وعلى رغبة خليجية صريحة في الدخول إلى عمق الشراكة التنموية مع القاهرة، خصوصًا في مجالات الطاقة والسياحة والصناعة. الرسالة هنا تتجاوز لغة الأرقام لتؤكد أن الاستقرار السياسي لا ينفصل عن التنمية الاقتصادية وأن مصر لا تطرح فقط فرصا استثمارية ، بل تقدم أيضا رؤية متكاملة لبنية تحتية حديثة.وقوانين منظمة وشبكة مصالح تربط الخليج بشرق المتوسط وإفريقيا في آن واحد.

وفي السياق ذاته كانت ملفات السودان وسوريا ولبنان حاضرة بقوة في المحادثات ، ضمن رؤية مصرية لا تكتفي بالمراقبة ، بل تسعى لتأدية دور الفاعل. فالدعوة لوقف الحرب في السودان والدفع نحو الحفاظ على وحدة سوريا ولبنان، تعكس إدراكا عميقا بأن استقرار الإقليم يبدأ من محيط مصر المباشر وأن الفوضى على الحدود لا يمكن تجاهلها. كما أن الترحيب المصري القطري بالمفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران يعكس مرونة في مقاربة الملفات الشائكة، بعيدًا عن الاستقطاب، ضمن إدراك واضح بأن تخفيض التوتر يخدم الأمن العربي أولًا، ويمنح الأطراف قدرة على ترتيب الأولويات الداخلية.

الزيارة إذًا لم تكن مناسبة لإعلان مواقف فقط بل محطة لتكريس الثقة بين العواصم خصوصا أن العلاقات المصرية القطرية مرت بتحولات حادة في السنوات الماضية ، وجاء التقارب الأخير ليؤكد أن المصالح العليا قادرة على تجاوز خلافات اللحظة. وإذا كانت الكويت تمثل محطة أخرى في الجولة الخليجية، فإن وجودها في هذا التوقيت يرسّخ ما يشبه شبكة توازنات جديدة في الإقليم تقوم على الشراكات العملية لا على المجاملات السياسية.

التحركات المصرية الأخيرة في الخليج تعبّر عن مدرسة سياسية ناضجة لا تتعامل مع الأزمات كعبء بل تراها فرصًا لإعادة التموضع وصياغة النفوذ. وبينما يزداد الإقليم اشتعالًا تختار مصر طريق التهدئة، لا بالشعارات، بل بالفعل لا بالوعود، بل بالاتفاقات، في محاولة جادة لتثبيت الاستقرار الإقليمي على أسس واقعية وشراكات مستدامة.