شحاته زكريا يكتب: التحول الرقمي.. ثورة هادئة تصنع اقتصادًا جديدا

الاقتصاد ليس مجرد أرقام ونظريات بل هو كيان حي يتأثر بكل ما يدور حوله والتكنولوجيا لم تعد ترفا أو خيارا إضافيا، بل تحولت إلى المحرك الرئيسي لكل ما هو قادم. في مصر التحول الرقمي لم يعد مجرد مشروع طموح ، بل أصبح واقعا يعيد تشكيل الطريقة التي ننتج بها، ونتاجر، وندير أعمالنا. لكن السؤال الأهم هنا: هل نمتلك القدرة على تسخير هذه الثورة لصالح اقتصادنا أم سنظل في سباق مع الزمن للحاق بما فات؟
عندما نتحدث عن التحول الرقمي فنحن لا نتحدث فقط عن تطبيقات الهواتف الذكية أو الإنترنت السريع بل عن إعادة تشكيل البنية الاقتصادية بالكامل. الشركات الصغيرة لم تعد مضطرة للانتظار سنوات حتى تنمو بل أصبح بإمكانها اليوم الوصول إلى الأسواق العالمية بضغطة زر. التجارة الإلكترونية لم تعد مجرد بديل للأسواق التقليدية ، بل باتت هي السوق الحقيقية التي تحدد من ينجح ومن يتراجع.
أحد أكبر التحولات التي أحدثها الرقمنة في الاقتصاد المصري هو خلق فرص جديدة بعيدا عن القيود التقليدية. الشباب الذين كانوا يعانون من ندرة الفرص أصبحوا اليوم قادرين على بناء مشروعاتهم الخاصة عبر الإنترنت ، دون الحاجة لرأس مال ضخم أو تعقيدات بيروقراطية. شركات التكنولوجيا الناشئة لم تعد مجرد أفكار ، بل تحولت إلى كيانات تساوي قيمتها السوقية مليارات الجنيهات وهي قادرة على تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية بالكامل.
لكن التحول الرقمي ليس مجرد مكاسب سهلة بل هو اختبار حقيقي لقدرتنا على التكيف. الاعتماد على الحلول الرقمية في كل شيء ، من الخدمات المصرفية إلى الإدارة الحكومية يعني أننا بحاجة إلى عقلية مختلفة حيث تصبح السرعة والمرونة شرطين أساسيين للنجاح. في الاقتصاد الرقمي من لا يواكب التطور يُستبعد تلقائيا من المنافسة لأن القواعد القديمة لم تعد صالحة في عالم تحكمه البيانات والذكاء الاصطناعي.
التحدي الأكبر الذي يواجه مصر في هذا التحول هو مدى استعدادنا لاحتضان هذه التغييرات. تطوير البنية التحتية الرقمية أمر حتمي لكن الأهم من ذلك هو بناء ثقافة اقتصادية جديدة تستوعب أن التكنولوجيا ليست تهديدا بل فرصة للنمو والابتكار. الشركات التي تفهم هذا الواقع هي التي ستقود الاقتصاد في المستقبل ، أما التي تتجاهله فستجد نفسها في الخلف بسرعة غير متوقعة.
التحول الرقمي هو بوابتنا نحو اقتصاد أكثر كفاءة أكثر عدالة، وأكثر قدرة على المنافسة. لكنه في النهاية ليس مجرد تقنية، بل رؤية متكاملة تحتاج إلى إرادة حقيقية، واستعداد للتغيير وجرأة على كسر النماذج التقليدية. فمن يفهم قواعد اللعبة الرقمية ، هو من سيكتب المستقبل الاقتصادي لمصر.