شحاته زكريا يكتب: ماكرون في قلب القاهرة.. لقاء التاريخ والحضارة

في مشهد غير مسبوق شهدت القاهرة لقاء بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قلب تاريخ العاصمة حيث سافرا معا عبر الزمن مشيا على خطوات ماضٍ طويل ، يحمل في طياته حكمة وعراقة لم تفقد قوتها بمرور الزمن. كان الزيارة التي جرت في الجمالية وخان الخليلي والحسين هي بمثابة إعادة كتابة التاريخ ، لكنها ليست مجرد زيارة بروتوكولية. كانت بمثابة تجسيد حي للحضارة المصرية في صورة حية حيث تعانقت السياسة مع الثقافة وتقاطعت أفق الحاضر مع ماضي مصر المجيد.
الحقيقة أن هذه الزيارة لم تكن مجرد رحلة بين المعالم التاريخية بل كانت بمثابة دعوة لماكرون لكي يرى مصر كما هي: مزيج فريد من العراقة والحداثة ، تاريخ حيّ يتحرك في شوارعها ، وشعب يعي في كل خطوة معنى العيش مع التاريخ ولا يغفل عن ثقل المسؤولية الوطنية. في تلك اللحظات تجلى في الصورة التي جمعت الرئيسين بين الجدران القديمة والجماهير المتحمسة ، أن مصر لا تحتاج أن تُظهر قوتها ببيانات ولا خطب بل تكفي صورتها الطبيعية حين تلتقي القيادة بالشعب في أجواء مفعمة بالود والاحترام المتبادل.
من مقهى نجيب محفوظ في الحسين حيث جلس الرئيسان في مكان طالما جمع المثقفين والمفكرين كان الحوار بين الزعيمين أقوى من أي كلمة يمكن أن تُقال. تلك الصورة التي تمثل الشعب المصري في بساطته ودفئه ، كانت أكثر من رسالة إلى ماكرون حول مكانة مصر كداعم رئيسي للاستقرار في المنطقة ، وأكثر من رسالة مفادها أن السياسة عندما تُمارس من قلب الشعب ، تكون أكثر قربًا من الواقع وأكثر تأثيرًا في المستقبل.
بينما كانت القاهرة تعج بالحياة كانت تلك اللحظة تسجل في التاريخ: مصر تعيش في كل زاوية من زواياها في شوارعها وفي وجوه شعبها وتُقدم للعالم صورة من قلبها النابض. زيارة ماكرون في جوهرها لم تكن مجرد محطات بروتوكولية بل كانت رحلة تواصلية بين مصر وتاريخها بين الماضى والحاضر وبين الزعيم الفرنسي الذي كان يقرأ في تلك الوجوه أكثر من مجرد حضارة.
ومن مقهى نجيب محفوظ خرج الرئيس ماكرون ليس فقط بقوة الصورة بل بكلمات لم تكن لتحتاج إلى ترجمة. تلك اللحظات التي عاشها في قلب القاهرة كانت أكثر من مجرد زيارة كانت لقاء مع جوهر مصر حيث التاريخ لا يقتصر على الكتب بل يعيش في كل تفصيلة من تفاصيل الحياة اليومية. "كلمة حلوة وكلمتين" كانت الأغنية التي امتزجت مع صدى الحدث وكأنها تشد الحاضرين وتؤكد أن في لقاء هذا التاريخ الكبير تجد الحضارة مكانها بين الماضي والحاضر.
إن زيارة ماكرون للقاهرة كانت رسالة للمجتمع الدولي حول مكانة مصر في العالم ولكنها كانت أيضا رسالة للعالم كله عن نوعية القوة التي تملكها مصر: قوة نابعة من شعبها وتاريخها، لا من مجرد الخطابات الرسمية.