الطريق
جريدة الطريق

محمد عبد المجيد هندي يكتب: إنفاق المليارات على المعونات المؤقتة للمواطن دون إنتاج

محمد عبد المجيد
-

في زمن يعاني فيه المواطن المصري من ضغوط اقتصادية طاحنة، وفي وقت تحتاج فيه البلاد إلى كل مورد وكل فرصة لبناء اقتصاد قوي ومستدام، نجد أنفسنا أمام معضلة كبرى تهدد مستقبل الوطن وتعيق تقدمه، وهي الاستمرار في إنفاق مليارات الجنيهات سنويًا على معونات مؤقتة لبعض المواطنين، دون أن يقابلها إنتاج حقيقي أو تنمية مستدامة. هذه المليارات التي تخرج من خزائن الدولة كل عام لا تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، بل تتحول إلى أرقام تُضاف إلى فاتورة الإنفاق المتزايد، بينما يظل المجتمع في دوامة الفقر والبطالة وانعدام الفرص.

إن الدعم المادي للفقراء والمحتاجين واجب لا خلاف عليه، لكن عندما يصبح هذا الدعم مجرد استهلاك مستمر لا ينتج عنه أي عائد اقتصادي، فإنه يتحول إلى عبء ثقيل يعيق الدولة عن تحقيق التنمية الحقيقية. إن الإنفاق على المعونات دون خطة واضحة للتنمية هو أشبه بمحاولة ملء وعاء مثقوب، فما يُنفق يضيع سريعًا، وما يُقدم لا يدوم، والنتيجة مجتمع يزداد فقرًا، ودولة تتآكل مواردها، ومستقبل يصبح أكثر ضبابية.

مصر اليوم بحاجة إلى وقفة جادة مع الذات، بحاجة إلى إعادة تقييم الأولويات، بحاجة إلى سياسات حكيمة تنطلق من رؤية واضحة تستند إلى الحقائق لا إلى المسكنات الوقتية. فبدلًا من إنفاق المليارات على معونات مؤقتة تنتهي بانتهاء الشهر أو العام، لماذا لا يتم توجيه هذه المليارات إلى ما يُحيي الأمل في نفوس المواطنين؟ لماذا لا تُخصص هذه الأموال لإنشاء المصانع، وتوسيع خطوط الإنتاج، وتوفير فرص العمل لملايين الشباب الذين أصبح حلم الوظيفة بالنسبة لهم سرابًا؟

إن العدالة الاجتماعية لا تتحقق بمجرد توزيع المال على الفقراء، بل تتحقق عندما يشعر كل مواطن أن له دورًا في بناء الوطن، وأن جهده وعمله يساهم في تحقيق التنمية. العدالة الحقيقية هي أن نمنح المواطن فرصة العمل الشريف، لا أن نلقي له ببعض الجنيهات كل شهر، فكرامة الإنسان تُبنى بالعمل، ومستقبل الأوطان يُصنع بالإنتاج، والتنمية الحقيقية تحتاج إلى عقول تخطط وأيادٍ تعمل، لا إلى خزائن تُفرغ بلا عائد.

إنني كقيادي عمالي مستقل، أعيش يوميًا بين العمال والفلاحين وأرى بأم عيني معاناتهم وصبرهم وكفاحهم، أطالب القائمين على إدارة شؤون البلاد بإعادة النظر في ملف العدالة الاجتماعية، وأدعوهم إلى اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة تضع حداً لهذا النزيف المستمر لموارد الدولة. المليارات التي تُنفق على المعونات، إذا وُجهت بحكمة إلى إنشاء مصانع في كل محافظة، وتطوير مشروعات إنتاجية تستوعب ملايين الشباب، فستتحول مصر خلال سنوات قليلة إلى قوة إنتاجية كبرى لا تعتمد على الاستيراد ولا ترضخ لشروط المانحين.

إن تشغيل الأيدي العاملة من الأسر الأكثر فقرًا واحتياجًا ليس مجرد ضرورة اقتصادية، بل هو واجب وطني وأخلاقي، فكيف لدولة تملك هذا الكم من الطاقات البشرية أن تظل رهينة للاستهلاك دون إنتاج؟ وكيف لشعب عُرف عبر التاريخ بقدرته على العمل والإبداع أن يتحول إلى شعب ينتظر المعونات؟ إن المعونة الحقيقية التي يحتاجها الشعب المصري هي فرصة العمل، هي مصنع يُفتح، هي مشروع يبدأ، هي أرض تُزرع، هي منتج يُصنع بأيادٍ مصرية ويُصدر إلى العالم.

لا تنمية بدون تشغيل، ولا عدالة بدون إنتاج، ولا مستقبل بدون تخطيط سليم يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. إننا في مرحلة حرجة لا تحتمل المزيد من الأخطاء، ولا تسمح بإهدار المزيد من الوقت، فكل يوم يمر دون استغلال صحيح لمواردنا هو يوم نخسره من أعمارنا، وكل جنيه يُنفق دون عائد إنتاجي هو دين على أجيالنا القادمة.

أطالب بإعادة هيكلة ملف الدعم بالكامل، وأدعو إلى استبدال المعونات المؤقتة بمشروعات تنموية حقيقية، وأحث الدولة على تبني خطة وطنية شاملة لتشغيل كل يد قادرة على العمل، فالعمال والفلاحون هم عصب هذا الوطن، وهم من يستطيعون، إذا أُتيحت لهم الفرصة، أن ينهضوا بمصر ويعيدوا لها مكانتها التي تستحقها.

إن الوقت ليس في صالحنا، والتحديات من حولنا تزداد كل يوم، ولا سبيل أمامنا إلا العمل والإنتاج، فالمعونات تنفد، لكن المصانع تبقى، والاستهلاك يُفقر، لكن الإنتاج يُغني، والبطالة تُميت، لكن العمل يُحيي. إنني أقولها بكل وضوح، وبدون خوف أو تردد: مصر لن تتقدم بالمعونات، بل ستتقدم عندما يعمل كل مصري وينتج، وعندما تتحول المليارات المهدرة إلى استثمارات حقيقية تُغير وجه هذا الوطن إلى الأبد.