الطريق
جريدة الطريق

مدد علي الحجار

-
أن تبدأ حياتك كمطرب تغنى من أشعار الأساطين صلاح جاهين وسيد حجاب والأبنودى، ومن ألحان الكبار بليغ حمدى وسيد مكاوى وعمار الشريعى، وتستمر وتواصل بنجاح لأكثر من أربعين عاماً، إلى أن تصبح أحد أهم علامات الغناء العربى، فأنت تقبض على الجمر، وتعانى ويعانى معك صناع الأغنية من شعراء وملحنين وموزعين، حتى تقدم ما يُضَاف إلى قيمة رصيد أكثر من خمسة آلاف أغنية ولا يخصم منه، وهذا ما يعيشه أيقونة التفوق الاستثنائى على الحجار، وخاصة فى عصر جعلت فيه التكنولوجيا مهندس الصوت هو المطرب الحقيقى على حد وصف الحجار نفسه، المُصِر إصراراً مُلْهِمَاً ألا يغنى إلا ما يمنح البهجة ويجدد الروح.
«انت المدد»، هى أحدث ما تغنى به على الحجار، طرحها مؤخراً على قناته الرسمية على اليوتيوب، فنحن نعيش الآن عصر الأغنية المنفردة أو الـSingle بلغة الوسط الغنائى، الألبوم يصدر حالياً لأرشفة أغانى المطربين ليس إلا، وكان الحجار قد غناها «لايف» أولاً لجمهور إحدى حفلاته المنتظمة شهرياً بساقية الصاوى، كنت حاضراً هذه الحفلة بصحبة أحد أصدقاء العمر، وكنا قبل الحفلة نتشاطر أحوال الدنيا وهمومها، فلا ينتظر الصديق «المدد» إلا من أصدقائه، وإذا بالحبيب العزيز على القلب على الحجار، يفاجئ الحضور قبل أن يفاجئنا، برائعته الجديدة «انت المدد» من كلمات طارق على، ولحن أحمد حمدى رؤوف، وتوزيع محمد حمدى رؤوف، وكانت الرسالة.
رسالة «انت المدد» لكل إنسان أن يستنهض المدد الموجود داخله، فلا يحتاج لأن يطلبه ويتمناه من الغير، فكأن الحجار يخرج بك من غفوة انتظار ما لا يجىء، ويصدمك بأنك أنت المدد لنفسك، وبداخلك ما تنتظره أو تبحث عنه لدى الآخرين، شحنة طاقة إيجابية تجلى الروح فى دقائق معدودة، قناعة على الحجار أن الكلمات هى مدخل التوهج لأى وكل أغنية، والحقيقة أن المبدع طارق على، بكلماته ثقيلة الوزن، قد أطلق إشارة البدء لجولة التحدى فى أغنيته المتفردة، خاصة أن مطلعها بيتان من شعر الفصحى، أعاد بهما رونق هذا اللون من الشعر المُغَنَى، قبل أن يصول ويجول بالعامية، ليشرح ويُفَصِل رسالة الأغنية.
ولأن كلمات «انت المدد» لا تملك معها إلا أن تدفع بكامل طاقتك لتُجَارى توهجها، جاءت ثنائية الموسيقى نقلة فى مسيرة الأخوين المبدعين، حيث اجتاز أحمد حمدى رؤوف بتفوق اختبار استهلال الفصحى الصعب فى كلمات الأغنية بمقدمة موسيقية ساحرة مَهِيبَة، لا تملك معها إلا الدخول فى حالة سكون وصفاء وتأمل «اليوجا» منصتاً لـ:
تُعْطِى الحَيَاةُ ثِمَارَهَا لمُحَارِبٍ .. لا يَعْرِفُ اليَأْسَ بِحُلْمِهِ مُؤْمِنِ
إِنْ مَاتَ غَدْرَاً فِى الطَرِيقِ فَإِنَه .. يَمُوتُ وَاقِفَاً كالشَجَرِ لا يَنْحَنِى
وقبل أن ينطلق آسراً روح المستمع، مُحَلِقَاً بها بصحبة توزيعات محمد حمدى رؤوف المتفوقة، والتى تكتمل بها حالة الشعور المتنامى داخلك بقيام الإرادة من سباتها العميق، لتجد نفسك فى خاتمة «انت المدد» تهتز بقوة من داخلك على إيقاع أيوب الصوفى المميز.
أما على الحجار، فهو لم يكن حاضراً فى «انت المدد» بصوته فقط، ولكنه كالمعتاد يخلق من كل أغنية حالة تحمل بصمة الحجار، ورؤية تفتح أمامك آفاق المتعة الفكرية والفنية والوجدانية، وهو فى «انت المدد» كما فى كل إبداعه، يؤكد لك أنه على العهد به مطرباً يغنى للناس ولا يغنى عليهم، ويحرص على طلة تحمل من الإنسانية والرقى، ما يواكب قيمة على الحجار الفنية الثرية، وحضوره المتوهج على مسرح الغناء العربى، وسعيه المجتهد الدؤوب نحو تقديم فن يؤكد به، أن الفن جميل فى كل زمن، المهم أن يكون فناً حقيقياً، وليس مجرد فقاعات مزيفة، ادخل الآن على اليوتيوب واسمع «انت المدد».