لماذا يعد حظر السفر طريقة خاطئة لكبح متحور أوميكرون؟

مع بداية انتشار فيروس كورونا المستجد ومع نهاية عام 2019، بدء إغلاق المدن، ثم البلدان، ثم العالم بأكمله، وعرفت البشرية الكثير عن فيروس كورونا في العامين الماضيين، وأثبتت كل من (الأقنعة، وإجراءات التباعد الاجتماعي، واللقاحات) الفعالية في الحد من انتشار الفيروس، ومع ذلك، فإن هناك درسا واحدًا لم يتم إغفاله، وهو أن قيود السفر طويلة الأمد غير مجدية في الغالب.
فعندما أعلنت جنوب إفريقيا، في نوفمبر الماضي، عن اكتشاف متحور جديد سريع الانتشار، وهو متحور أوميكرون، كانت الاستجابة الأولى للعديد من الدول هي فرض حظر الدخول أو متطلبات الحجر الصحي المرهقة على المسافرين من جنوب إفريقيا، وأغلقت بعض الدول، حدودها في وجه الأجانب، كما عدلت بعض الدول آراءها بشأن إعادة فتح الحدود، مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايلاند، حيث أعيد وضع عقبات السفر، حتى داخل منطقة شنجن، التي يفترض أنها بلا حدود في أوروبا.
قيود السفر المفروضة منطقيةً في المراحل الأولى من تفشي المرض
وتعتبر قيود السفر المفروضة منطقيةً في المراحل الأولى من تفشي المرض، عندما تكون الإصابات الناتجة عن أحد المتحورات قليلة، وعندما لا تزال أنظمة الاختبار والتتبع قادرة على تتبع مسارات العدوى، حيث يمكن أن يكون للحظر تأثير كبير على وقف نمو الوباء، وذلك عندما لا تتجاوز الحالات القادمة من الخارج أكثر من 10٪ من الإصابات، حيث يمكِّن الحظرُ في هذه الحالة من إيجاد الوقت اللازم للتعرف على المتحور الجديد وتحضير المستشفيات أو طرح اللقاحات المناسبة له.
لكن عادة ما يتم حظر السفر، بعد انتشار الفيروس أو المتحور في بلد ما، ولهذا لا تكون هناك جدوى كبيرة من وراء حظر السفر، فعلى سبيل المثال، بحلول الوقت الذي حظرت فيه فرنسا السفر من بريطانيا في الـ16 من ديسمبر الجاري، على أمل منع انتشار متحور أوميكرون، كانت قد سجلت بالفعل متوسطًا يوميا يزيد عن 50 ألف حالة إصابة، وهو أعلى بنسبة 10٪ من ذروة الإصابات خلال موجة متحور دلتا في وقت سابق من العام؛ لذلك فإن أي إصابات قادمة من الخارج، بحلول تلك المرحلة، ليست كافية لتبرير الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن حظر السفر.
ومن الجدير بالذكر أن أحد أسباب عدم وجود فوائد دائمة لقيود السفر هو أن معظمها لا يتم بشكل كامل، فالدول تسمح للمواطنين والمقيمين وعائلاتهم والعاملين الأساسيين والدبلوماسيين ورجال الأعمال، بعضهم أو مجموعة منهم، بعبور الحدود؛ لذا يجب على الدول، لتحقيق منافع حظر السفر طويل الأمد، أن تشمل القيود الجميع، بمن فيهم المواطنون لا الأجانب فقط، وذلك كما فعلت أستراليا ونيوزيلندا، فقد كافح الأستراليون خلال معظم عام 2021 للعودة إلى بلادهم، واضطروا إلى دفع مبالغ باهظة للرحلات الجوية وفنادق الحجر الصحي من أجل ذلك؛ حيث لم يسمح للأستراليين بعبور حدود الدولة خلال معظم العامين الماضيين، وتم إغلاق مدينة ملبورن لمدة 262 يوما في عام 2021.
النهج الأمثل للتعامل مع الجائحة
وتجدر الإشارة إلى أن قلة من الديمقراطيات -فقط- على استعداد لتحمل هذه السياسات لفترة طويلة، والدولة الوحيدة التي لا تزال تنتهج سياسة صارمة للحد من انتشار الفيروس هي الصين، فهي تتخذ تدابير شديدة لاحتواء تفشي الفيروس في الآونة الأخيرة، ففي مدينة شيان، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 13 مليونا، عندما ارتفعت الإصابات اليومية من صفر إلى أكثر من 100 في ديسمبر ، فرضت السلطات إغلاقًا شرسا، وفرضت الاختبار على السكان بشكل متكرر، ودفعت حوالي 30 ألف شخص إلى الحجر الصحي، وهذه الأساليب شائعة في الصين، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت سياسة الصين الخاصة بالحد من انتشار الفيروس مستدامةً أم لا؛ وذلك نظرا للقابلية العالية لانتقال أوميكرون، وعدم وضوح مدى إمكانية وصول الصين -في النهاية- لمرحلة التعايش مع المرض.
أما بالنسبة لبقية دول العالم، فإن أفضل نهج هو أن تقوم الحكومات بالترويج للسياسات الأكثر فعالية، وخاصة اللقاحات، مع مقاومة الرغبة في حظر السفر، وقد أزالت بريطانيا والولايات المتحدة –بالفعل- قيود السفر المفروضة على جنوب إفريقيا بمجرد أن أصبح من الواضح أن المتحور كان موجودا لديهما، وفرضت الولايات المتحدة الحصولَ على اختبار كوفيد سلبي قبل السفر، وطلبت بريطانيا من المسافرين القادمين إجراء اختبار في غضون يومين من الوصول، مع العزل الذاتي حتى يتأكد الحصول على نتيجة سلبية.