سيد عبد الكريم يكتب: التحديات التي تفرضها الأوضاع الإقليمية الراهنة على مصر

فى خضم المنطقة الملتهبة التى تعج بالصراعات والاضطرابات، تواجه مصر تحديات جسيمة ومتداخلة، وهنا تبرز أهمية تكاتف المصريين كحائط صد منيع وضرورة قصوى لمواجهة هذه الظروف الصعبة وحماية الوطن وتعزيز مسيرته نحو التقدم والازدهار.
إن التحديات التى تفرضها الأوضاع الإقليمية الراهنة على مصر متعددة الأوجه، فهى تشمل جوانب أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية، وكل منها يحمل فى طياته مخاطر تتطلب وعيًا كاملًا وتضافرًا للجهود من جميع أبناء الشعب المصرى. فمن الناحية الأمنية تتصاعد حدة التوترات الإقليمية والصراعات المسلحة فى دول الجوار، ما يزيد من خطرها، خاصة مع وجود جماعات متطرفة تسعى إلى استغلال أى حالة عدم استقرار لزعزعة الأمن الداخلى وتنفيذ مخططاتها الإرهابية.
كما أن التدخلات الخارجية فى شئون دول المنطقة وتفاقم الاستقطاب السياسى يزيد من حالة عدم اليقين ويخلق بيئة مواتية لنمو الإرهاب والجريمة المنظمة، ما يستنزف موارد الدولة ويستدعى تخصيص جزء كبير من الميزانية لمواجهة هذه التهديدات الأمنية العابرة للحدود. فى هذا السياق الحرج، يصبح التكاتف الوطنى ضرورة ملحة لتعزيز الجبهة الداخلية وتقوية قدرة الدولة على مواجهة هذه التحديات الأمنية بكفاءة وفاعلية، من خلال دعم جهود القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، واليقظة المجتمعية لمواجهة الأفكار المتطرفة، وتعزيز قيم المواطنة والانتماء الوطنى.
وعلى الصعيد الاقتصادى تتأثر مصر بشكل كبير بالاضطرابات الإقليمية، حيث تؤدى هذه الأحداث إلى تراجع حركة السياحة التى تعد مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة، كما تعوق التجارة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يزيد من الضغوط على الاقتصاد الوطنى الذى يعانى بالفعل من تحديات هيكلية، مثل ارتفاع الدين العام ومعدلات البطالة والتضخم. بالإضافة إلى ذلك تؤدى الصراعات فى المنطقة إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية عالميًا، ما يفاقم الأعباء المعيشية على المواطنين ويزيد من حدة التحديات الاجتماعية. ولمواجهة هذه الضغوط الاقتصادية، يصبح التكاتف الوطنى ضرورة حتمية من خلال دعم المنتج المحلى وترشيد الاستهلاك وتعزيز ثقافة العمل والإنتاج، والمساهمة الإيجابية فى جهود التنمية المستدامة.
إن تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى والأفراد هو السبيل الأمثل لتحقيق الاكتفاء الذاتى وتعزيز قدرة الاقتصاد الوطنى على الصمود فى وجه الصدمات الخارجية.
أما على المستوى الاجتماعى، فتخلق الأوضاع الإقليمية حالة من القلق، وقد تؤدى إلى تفاقم الانقسامات المجتمعية وتأجيج المشاعر السلبية، خاصة مع تدفق اللاجئين والنازحين من الدول التى تشهد صراعات، ما يضع ضغوطًا إضافية على الموارد والخدمات العامة.
كما أن استمرار حالة عدم الاستقرار الإقليمى قد يؤثر سلبًا على الآمال والتطلعات نحو تحقيق التنمية والرخاء. وفى هذا السياق، يصبح التكاتف الوطنى ضرورة قصوى لتعزيز النسيج الاجتماعى وترسيخ قيم التسامح والتعايش السلمى ونبذ التعصب والعنف، والوقوف صفًا واحدًا فى مواجهة محاولات بث الفُرقة والفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
إن تعزيز الحوار المجتمعى البنّاء وتلبية احتياجات المواطنين وتطلعاتهم المشروعة هو السبيل الأمثل للحفاظ على الاستقرار الاجتماعى وتعزيز الثقة فى المستقبل.
علاوة على ذلك، تواجه مصر تحديات إقليمية معقدة تتعلق بإدارة الموارد المشتركة، مثل مياه النيل، فى ظل تزايد الطلب عليها ووجود خلافات مع دول أخرى فى حوض النيل. ويصبح التكاتف الوطنى ضرورة حتمية من خلال دعم جهود الدولة فى الحفاظ على حقوق مصر المائية وتعزيز التعاون الإقليمى فى إدارة الموارد المشتركة، وتبنى سياسات مستدامة لحماية البيئة ومواجهة آثار التغيرات المناخية. إن الوعى بأهمية هذه القضايا والمشاركة المجتمعية الفاعلة فى إيجاد حلول لها هو الضمانة لتحقيق الأمن المائى والبيئى للأجيال الحالية والمستقبلية.
كما أن تكاتف المصريين فى هذه الظروف الصعبة ليس مجرد خيار، بل هو واجب وطنى ومسئولية تاريخية تقع على عاتق كل فرد. فمن خلال الوحدة والتضامن والعمل المشترك، يستطيع المصريون تحويل التحديات إلى فرص، والمحن إلى منح، والمضى قدمًا نحو بناء مستقبل مزدهر وآمن ومستقر لمصر. إن قوة مصر تكمن فى وحدة شعبها وعزيمته الصلبة وإيمانه الراسخ بقدرته على تجاوز الصعاب وتحقيق المستحيل. فلنتكاتف جميعًا من أجل مصر، ولنجعل من هذه المرحلة الصعبة نقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل يليق بتاريخ وحضارة هذا الوطن العظيم. إن التكاتف هو مفتاح العبور الآمن نحو بر الأمان والازدهار فى ظل هذه الظروف الإقليمية المضطربة.