ياسر أيوب يكتب: المشي في عالم لا يعرف إلا الجري

فى 1993 .. نشر الكاتب والشاعر والفيلسوف الفرنسى التشيكى الأصل ميلان كونديرا روايته السابعة بعنوان البطء .. وبعيدا عن أحداثها وتفاصيلها تبدو الرواية كأنها قصيدة رثاء لعالم قديم كان كل ما فيه يحدث ببطء .. الحب والنجاح وتحقيق الأحلام والكلام والحركة واللعب وحتى مضغ الطعام .. وأصبح العالم كله الآن يجرى راغبا فى كل شىء عاجزا عن الاستمتاع بأى شىء .. واستعدت رؤية ميلان كونديرا وروايته الجميلة حين قرأت أول أمس خبرا عن نجاح الكندى إيفان دانفى فى تحطيم الرقم القياسى العالمى للمشى بعد استطاعته أن يمشى 35 كيلومترا فى ساعتين و21 دقيقة و40 ثانية فى سباق دودينس الذى استضافته سلوفينيا صباح السبت .. وكان الرقم القديم بإسم اليابانى ماسوتورا كاوانو الذى حققه فى أكتوبر الماضى ويزيد بسبع ثوان فقط عن الرقم الجديد لإيفان دانفى .. وأيا كانت وجهة نظر ميلان كونديرا ومن يوافقونه وأنا واحد منهم .. فهو نجاح حقيقى وجديد للبطل الكندى الذى سبق له أن فاز بالميدالية البرونزية فى بطولة العالم للمشى 50 كيلومترا فى 2019 .. والميدالية البرونزية أيضا فى نفس السباق فى دورة طوكيو الأوليمبية 2020 .. وأصبح منذ أول أمس صاحبا للرقم القياسى لسباق 35 كيلومترا بعد أن تم إقرار هذا السباق فى 2022 بديلا لسباق الـ 50 كيلومترا .. واختار إيفان منذ صباه رياضة المشى وبدأ التدريب عليها فى مدينة ريتشموند الكندية وظل ملتزما بها وعاشقا لها وهو يواصل دراسته الجامعية ويتخصص فى الكينسيولوجى أو علم الحركة .. وكان إنجازه الإنسانى الأكبر هو نجاحه فى جمع الكثير من المال لمصلحة رياضة الأطفال المحرومين من اللعب بالسير 25 كيلومترا كل يوم لمدة 25 يوما متتالية .. وحقق إيفان أخيرا حلمه الكبير فى أن يصبح أسرع من يمشى على سطح الأرض .. ويبقى السؤال هو هل سيبقى المشى فى المستقبل كما كان فى الماضى وسيلة للهدوء والتفكير والتأمل .. أم سيصبح سباقا جديدا يضاف إلى قائمة السباقات التى يضطر كل إنسان للمشاركة فيها كل يوم .. فالمشى كان أقدم رياضة مارسها الإنسان وأصبح لعبة أوليمبية منذ دورة لندن 1908 .. وإلى جانب فوائد المشى بجدية وانتظام للقلب وتنشيط الدورة الدموية والجهاز التنفسى والعضلات والمفاصل كما جمعها أستاذ المخ والأعصاب الأيرلندى شانى أومارا فى كتاب مهم عن المشى .. فهو يساعد أيضا على إفراز الإندورفين الذى يساعد المخ على التخلص من الضغوط ويغلق مستقبلات الألم .. كما أنه يساعد الإنسان على الهدوء والتركيز يساعد أيضا على الهدوء .. وهى الحقيقة التى اكتشفها كثيرون منذ وقت طويل وتحدثوا وكتبوا عن فوائد المشى النفسية منهم غاندى ونيتشه ونجيب محفوظ وآخرون