الطريق
الثلاثاء 22 أبريل 2025 04:01 مـ 24 شوال 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب

شحاتة زكريا يكتب: ما بعد النكبة.. إسرائيل وهندسة التشريد المستمرة

شحاته زكريا
شحاته زكريا

لم تكن النكبة الفلسطينية حدثا انتهى في عام 1948 ، بل كانت بداية لمسلسل طويل من سياسات الاقتلاع والتهجير القسري. لا تزال إسرائيل حتى اليوم تمارس هندسة التشريد بأساليب مختلفة ، تتراوح بين الاستيطان وهدم المنازل بهدف فرض واقع ديموغرافي جديد. ولكن في قلب هذه السياسات يظل هدم البيوت الفلسطينية من أكثر الأدوات قسوة حيث يتحول الجدار إلى أنقاض ، والمأوى إلى كومة حجارة، والعائلة إلى مشردين بين الأزقة.

في مشهد يعيد نفسه مرارا يطرق جنود الاحتلال أبواب الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية قبل ساعات من وصول الجرافات ، معلنين بلهجة باردة أن الوقت قد حان لمغادرة منازلهم. ليس لأنهم ارتكبوا جرما بل لأن وجودهم نفسه بات غير مرغوب فيه. البيوت تُهدم بذريعة أنها "غير مرخصة"، في حين أن السلطات الإسرائيلية تضع شروطا شبه مستحيلة لحصول الفلسطينيين على التراخيص.

المفارقة أن هذه السياسة ليست وليدة الاحتلال الإسرائيلي وحده ، بل هي امتداد لنهج مارسته سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين حيث كان هدم المنازل عقوبة جماعية تستهدف مقاومي الاحتلال. واليوم تتبنى إسرائيل هذا الأسلوب كأداة "ردع"، وفق زعمها لمعاقبة عائلات منفذي العمليات الفدائية على الرغم من أن كافة الدراسات والإحصائيات تثبت أن هذه العقوبة لا تمنع العمليات، بل تزيد من الغضب والرغبة في المقاومة.

غير أن الأمر يتجاوز العقوبة الجماعية إلى هدف أبعد: تفريغ الأرض من سكانها الأصليين. فالقدس على سبيل المثال، تعاني من حملة تطهير ناعمة حيث يتم دفع الفلسطينيين إلى الرحيل تدريجيا عبر منظومة متكاملة من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك هدم البيوت وحرمان السكان من الخدمات الأساسية وفرض الضرائب الباهظة في مقابل تسهيل البناء والتوسع للمستوطنين.

ما يزيد من خطورة الأمر هو أن هذه الجريمة تتم تحت سمع وبصر العالم دون أن تواجه إسرائيل أي تبعات حقيقية. الإدانات الدولية لا تتجاوز كونها بيانات جوفاء بينما تواصل الشركات الكبرى خصوصا شركات إنتاج الجرافات والمعدات الثقيلة، تزويد إسرائيل بأدوات الهدم دون أي قيد أو شرط أخلاقي.

لقد أثبتت التجربة أن التعويل على المجتمع الدولي وحده ليس مجديًا. فالعالم لا يتحرك إلا حين يكون الثمن مرتفعًا. لذلك لا بد من التفكير في أدوات جديدة لمواجهة هذه الجريمة من بينها تصعيد الضغط على الشركات المتواطئة، وفرض مقاطعة اقتصادية حقيقية ودعم حملات كشف هذه السياسات أمام الرأي العام العالمي. كما يجب التحرك قانونيًا، عبر رفع دعاوى قضائية ضد الشركات التي تبيع معدات الهدم لإسرائيل تماما كما تم استهداف الشركات المتورطة في الفصل العنصري بجنوب أفريقيا.

القضية ليست فقط قضية بيوت تُهدم بل هي قضية وجود، وصراع على الأرض والهوية. الفلسطيني الذي يُهدم منزله اليوم قد يجد نفسه في خيمة مؤقتة، لكنه سيظل يحمل مفاتيح بيته المهدوم ويعلم أن المعركة لم تنتهِ بعد

موضوعات متعلقة