الطريق
الثلاثاء 22 أبريل 2025 04:01 مـ 24 شوال 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب

شحاته زكريا يكتب: «حين يصبح الدمار رفاهية»

شحاته زكريا
شحاته زكريا

في عالم تحكمه المصالح يصبح الحديث عن الإنسانية ترفا وإعادة الإعمار مشهدًا استعراضيًا، بينما تبقى الحقيقة الوحيدة هي أن الأرض تُباع لمن يدفع أكثر ، حتى وإن كان الثمن دماء الأبرياء.

اليوم يقف العالم أمام مشهد عبثي: مدينةٌ تحترق تُهدم فوق رؤوس ساكنيها ، ثم يأتي من يتحدث عن تحويلها إلى "جنةٍ سياحية"! أي منطق هذا الذي يجعل الكارثة فرصة للاستثمار؟ وأي عقول تستطيع تصديق أن إعادة إعمار مدينة مدمرة لا تبدأ بأهلها.بل بتنظيفها منهم أولا؟

غزة التي تحولت إلى عنوان للصمود ، تُرسم اليوم على خرائط المخططات الاقتصادية لا باعتبارها مدينة لها تاريخ وهوية، بل كأرضٍ فارغة تنتظر مشاريع "التطوير"! وكأن الخراب لم يكن كافيا فيأتي الحديث عن "إعادة البناء" بشروط جديدة: بلا سكانها، بلا هويتها، بلا روحها.

الذين يتحدثون عن تحويل غزة إلى "ريفييرا" جديدة لا يرون في أهلها سوى عقبة أمام المشروع. يتعاملون مع المدينة وكأنها بقعةٌ على الخريطة ، يمكن إعادة تخطيطها وإعادة توزيعها كيفما يشاؤون، وكأن أهلها مجرد تفاصيل هامشية في مشروع استثماري ضخم.

لكن غزة ليست للبيع ولا تُختزل في مبان فاخرة أو شواطئ مُعدة لاستقبال الأثرياء. غزة هي الناس الذين يسيرون وسط الدمار بكرامة هي الأطفال الذين يكبرون رغم الجوع والخوف هي الحكايات التي لا تُمحى مهما حاولت الجرافات أن تُزيل آثارها.

الحديث عن إعادة إعمار غزة يجب أن يبدأ من حقوق سكانها ، لا من أحلام المستثمرين. من إعادة بناء بيوتهم ومدارسهم ، لا من بناء أبراجٍ زجاجية تُخفي تحتها ذاكرة المدينة. من ضمان حياة كريمة لهم ، لا من البحث عن طرق جديدة لإقصائهم.

العالم اليوم أمام اختبار أخلاقي: هل تكون إعادة الإعمار وسيلة لطمس الجريمة أم وسيلة لإنصاف الضحايا؟ هل تُستخدم الأموال لترميم جدران المدينة أم لطمس معالمها؟ هل يُسمح لأهل غزة بأن يكونوا جزءا من مستقبلها أم يُفرض عليهم الرحيل ليصبحوا مجرد ذكرى؟

التاريخ لن يرحم الذين حوّلوا الدمار إلى فرصة استثمارية، ولن يغفر لمن حاولوا بيع الأوطان بأثمان بخسة. غزة ليست مشروعا تجاريا، ولن تكون يوما "منتجعا" لمن دمّروها. هي ستبقى وأهلها سيبقون حتى لو حاول العالم كله أن يتجاهل ذلك.

موضوعات متعلقة