الطريق
الثلاثاء 22 أبريل 2025 09:37 صـ 24 شوال 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب
بالورش الحرفية والعروض الفنية.. ملتقى سيناء الأول لفنون البادية يواصل فعالياته بالعريش فيديو| مصر وفلسطين.. دعم دبلوماسي وإنساني| عرض تفصيلي مع عمرو خليل ضبط مصنع تلاعب في أوزان أنابيب الغاز بالغربية..صور الأولمبية الدولية تشيد بالتعاون المثمر مع وزارة الشباب والرياضة وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي سفير جمهورية التشيك بالقاهرة لبحث فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري المشترك مصر وقطر تُطلقان عامًا ثقافيًا مشتركًا في 2027 لتعزيز الحوار الثقافي العربي فيديو| عضو البتريوت: الرأي العام في أوكرانيا ضد وقف الحرب بالشروط الأمريكية في شم النسيم.. الورد بيتصنع بإيدين ستاتنا الحلوين صحة كفرالشيخ: مرور مكثف من فرق المراجعة الداخلية والحوكمة بالمديرية على العديد من المنشآت الصحية التابع للمديرية في إطار احتفالات محافظة الإسكندرية بعيد شم النسيم وتنفيذاً لاستراتيجيتها لتطوير الميادين والاهتمام بالنسق الحضاري والجمالي للمحافظة زيلينسكي: وفد أوكرانيا يصل لندن الأربعاء لإجراء محادثات بشأن وقف إطلاق النار بتوجيهات محافظ الوادي الجديد تسليم 410 مشروعًا متناهي الصغر لتمكين الأسر اقتصاديًا

محمد عبد المجيد الهندى يكتب: دمياط.. حين سقطت قلعة الصناعة وتحولت يابان مصر إلى أطلال

هنا دمياط، حيث كان العمالقة يشيدون المجد من الخشب، حيث كانت الورش تضج بالحياة، والمصانع لا تهدأ، والتجار يتوافدون من كل حدب وصوب بحثًا عن الجودة والإتقان، حيث كان الصنايعي الدمياطي فنانًا قبل أن يكون حرفيًا، يبدع في كل تفصيلة ليُنتج تحفة فنية تزين البيوت داخل مصر وخارجها ولكن هذا كله صار من الماضي.

اليوم، المشهد مختلف تمامًا الورش أغلقت أبوابها، العمال والصناع جلسوا على المقاهي يراقبون مستقبلًا سرق منهم، المدينة التي كانت تضج بالإنتاج أصبحت مدينة الأحزان، الطرق التي كانت ممتلئة بالشاحنات المحملة بأفخم أنواع الأثاث صارت خاوية، والأسواق التي كانت تعج بالحركة أضحت مرتعًا للأتربة والصمت القاتل.

ما الذي جرى؟ كيف تحولت دمياط من قلعة الصناعة إلى مدينة مهجورة؟ من المسؤول عن هذه الكارثة؟

الانهيار لم يكن فجائيًا بل كان مُخططًا.

الحقيقة أن ما يحدث ليس وليد اليوم، وليس مجرد أزمة اقتصادية طارئة، بل هو نتاج سنوات طويلة من السياسات الخاطئة، والقرارات العشوائية، وانعدام الرؤية، والتجاهل المتعمد لمشاكل الصناع وأصحاب الورش، حتى سقطت صناعة الأثاث الدمياطية تحت وطأة الأزمات المتتالية.

كانت البداية مع فتح أبواب الاستيراد على مصراعيها دون رقابة، فدخلت المنتجات الصينية والتركية إلى الأسواق بأسعار لا يستطيع المنتج المحلي منافستها، ليس لأنها أفضل، بل لأنها مدعومة من حكوماتها، بينما الصنايعي المصري ترك وحيدًا يواجه الضرائب الباهظة، وارتفاع أسعار المواد الخام، والكهرباء، والإيجارات، في ظل غياب أي دعم حكومي حقيقي.

تجار الأثاث الكبار تحولوا إلى مستوردين، فلم يعد يهمهم دعم الورش الصغيرة، بل وجدوا في الأثاث المستورد فرصة لتحقيق أرباح سهلة دون الحاجة لدعم الصناعة المحلية. ومن ناحية أخرى، البنوك التي كان يُفترض أن توفر قروضًا ميسرة للصناع، تحولت إلى مقصلة تُطاردهم بالديون، فأغلقت الورش واحدة تلو الأخرى، حتى باتت المدينة التي كانت تعج بالحياة مدينة بلا روح.

أما مدينة دمياط الجديدة، التي وعدوا بأنها ستكون بوابة لإنقاذ الصناعة، فقد تحولت إلى فخ وقع فيه الصناع، حيث تم تخصيصها للمستثمرين الكبار، بينما الصنايعية الحقيقيون تُركوا بلا حلول، وكأن الهدف لم يكن تطوير الصناعة، بل القضاء على الصناع وإحلال طبقة جديدة مكانهم.

الضرائب تقتل والبنوك تخنق والأسواق تُفتح للمنافس الأجنبي

حين يُصبح الصنايعي مطالبًا بدفع ضرائب مرتفعة، بينما يواجه أسعارًا جنونية للمواد الخام، وفي الوقت نفسه لا يجد سوقًا لمنتجاته بسبب غزو الأثاث المستورد، فماذا يمكن أن تكون النتيجة؟ النتيجة هي ما نراه اليوم انهيار شامل للصناعة، وإغلاق آلاف الورش، وتسريح آلاف العمال، وتحولهم إلى عاطلين لا يجدون قوت يومهم.

الحكومة لا تملك أي رؤية لإنقاذ الصناعة، كل ما تفعله هو فرض المزيد من الضرائب والرسوم وكأنها تريد القضاء على ما تبقى، لا توجد أي خطط لدعم المنتج المحلي أو توفير خامات بأسعار مناسبة، ولا توجد رقابة على الأسواق لحماية الصناعة من الإغراق بالمنتجات الأجنبية الرخيصة.

من المستفيد من انهيار الصناعة؟

الجواب واضح المستفيدون هم المستوردون الكبار، الذين يُغرقون الأسواق بمنتجات رخيصة ويحققون أرباحًا طائلة، على حساب الصناعة المحلية، ومن خلفهم لوبي قوي يعمل على استمرار هذه الفوضى، لأنهم لا يريدون صناعة وطنية قوية تنافسهم، بل يريدون تحويل مصر إلى سوق استهلاكي تابع، لا يُنتج شيئًا ويعتمد بالكامل على الخارج.

أما الخاسر الأكبر، فهو العامل الدمياطي، والصنايعي الذي أفنى عمره في هذه المهنة، واليوم يجد نفسه بلا عمل، بلا أمل، بلا مستقبل، وكأن التاريخ يُعاد من جديد، حين تحولت مصر من دولة مُنتجة ومُصدرة في الستينات، إلى دولة مستوردة تعيش على قروض البنك الدولي وشروطه القاتلة.

الحل الوحيد إرادة سياسية لإنقاذ ما تبقى

إذا كان هناك من يملك ذرة من الوطنية، فعليه أن يتحرك فورًا لإنقاذ ما تبقى من صناعة الأثاث في دمياط، فالأمر لم يعد يحتمل المزيد من التأجيل. يجب فرض قيود صارمة على استيراد الأثاث، ووضع خطة عاجلة لدعم الورش المتعثرة، وإعفاء الصناع من الضرائب لعدة سنوات حتى يستعيدوا عافيتهم، كما يجب توفير المواد الخام بأسعار مناسبة، وإنشاء مصانع محلية لإنتاج الأخشاب بدلاً من استيرادها بأسعار باهظة.

الصناعة ليست مجرد تجارة، بل هي أمن قومي، وحين تنهار الصناعة، تنهار الدولة بأكملها، والحديث عن التنمية المستدامة والمشاريع القومية لا قيمة له إذا كانت القواعد الأساسية للصناعة تنهار بهذا الشكل المأساوي.

اليوم، نحن أمام خيارين إما أن تتحرك الدولة لإنقاذ دمياط قبل فوات الأوان، أو أن ننتظر سنوات قليلة لنجد أنفسنا أمام مدينة مهجورة، لا يسمع فيها إلا صدى الذكريات، وحكايات الماضي المجيد الذي أضعناه بأيدينا.

فهل من مستجيب؟ أم أننا سنترك الحرفي الدمياطي يواجه مصيره وحده، حتى تُدفن صناعة الأثاث المصرية تمامًا تحت أنقاض الإهمال والتآمر؟

قيادى عمالي مؤسس ورئيس المجلس القومى للعمال والفلاحين تحت التأسيس