الطريق
الثلاثاء 22 أبريل 2025 08:10 صـ 24 شوال 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب
بالورش الحرفية والعروض الفنية.. ملتقى سيناء الأول لفنون البادية يواصل فعالياته بالعريش فيديو| مصر وفلسطين.. دعم دبلوماسي وإنساني| عرض تفصيلي مع عمرو خليل ضبط مصنع تلاعب في أوزان أنابيب الغاز بالغربية..صور الأولمبية الدولية تشيد بالتعاون المثمر مع وزارة الشباب والرياضة وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي سفير جمهورية التشيك بالقاهرة لبحث فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري المشترك مصر وقطر تُطلقان عامًا ثقافيًا مشتركًا في 2027 لتعزيز الحوار الثقافي العربي فيديو| عضو البتريوت: الرأي العام في أوكرانيا ضد وقف الحرب بالشروط الأمريكية في شم النسيم.. الورد بيتصنع بإيدين ستاتنا الحلوين صحة كفرالشيخ: مرور مكثف من فرق المراجعة الداخلية والحوكمة بالمديرية على العديد من المنشآت الصحية التابع للمديرية في إطار احتفالات محافظة الإسكندرية بعيد شم النسيم وتنفيذاً لاستراتيجيتها لتطوير الميادين والاهتمام بالنسق الحضاري والجمالي للمحافظة زيلينسكي: وفد أوكرانيا يصل لندن الأربعاء لإجراء محادثات بشأن وقف إطلاق النار بتوجيهات محافظ الوادي الجديد تسليم 410 مشروعًا متناهي الصغر لتمكين الأسر اقتصاديًا

محمد عبدالمجيد هندي يكتب: الطبقة العاملة المصرية: صمود في وجه الأزمات ومحرك للعدالة والنهضة

الطبقة العاملة المصرية هي الشريان الرئيسي الذي يمد هذا الوطن بالحياة. هي التي تحمل على عاتقها مسؤولية البناء والإنتاج، وتسطر يوميًا صفحات من الكفاح والعطاء في ظل ظروف معيشية واقتصادية بالغة الصعوبة. ومع ذلك، لم تنصفها السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة، ولم تجد من يُنصف جهدها أو يُقدر دورها المحوري. العامل المصري الذي ينزف عرقه في المصانع والحقول والمكاتب يستحق من الدولة أكثر من مجرد كلمات دعم أو وعود جوفاء، بل سياسات حقيقية تضعه في مقدمة أولوياتها، باعتباره القلب النابض للوطن ومحور أي نهضة حقيقية.

الأزمات التي تواجه الطبقة العاملة لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة تراكمات طويلة من السياسات التي أعلت مصلحة القلة على حساب الأغلبية. بدأت المأساة منذ عقود عندما تراجعت الدولة عن دورها في دعم الصناعة الوطنية، وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام الاستيراد العشوائي الذي أجهز على العديد من الصناعات المحلية. آلاف المصانع أغلقت أبوابها، وآلاف العمال وجدوا أنفسهم فجأة بلا عمل، بعدما كانوا جزءًا لا يتجزأ من عجلة الإنتاج. هؤلاء العمال الذين بنوا حياتهم وأحلامهم على جهدهم وعرقهم، وجدوا أنفسهم في مواجهة الفقر والبطالة دون أي دعم حقيقي من الدولة.

الأمر لا يتوقف عند الإغلاق المتواصل للمصانع، بل يمتد إلى غياب الحماية القانونية والاجتماعية للعمال. القطاع غير الرسمي، الذي يضم ملايين العمال، بات ملاذًا اضطراريًا لهم، حيث يعملون دون عقود أو تأمينات اجتماعية أو ضمانات صحية. هذا القطاع الذي يفترض أن يكون مؤقتًا أصبح هو الواقع المعيش، وكأن الدولة تخلت عن مسؤوليتها تجاه هذه الفئة التي تمثل عماد الاقتصاد الوطني. العامل في هذا القطاع لا يملك سوى جسده ليعمل به، وعندما يُنهك أو يُصاب، يجد نفسه وحيدًا بلا أي شبكة أمان تحميه أو تعينه.

في مواجهة هذه التحديات، يجب أن نتحدث بصوت عالٍ ونطالب بحلول جذرية تنصف هذه الطبقة التي تحملت الكثير من الأعباء. أولى الخطوات التي يجب على الدولة اتخاذها هي إعادة تشغيل المصانع المغلقة، ووضع خطة قومية للنهوض بالصناعة الوطنية. لا يمكن لدولة تريد تحقيق الاكتفاء الذاتي أو بناء اقتصاد قوي أن تعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجاتها. يجب أن تكون الأولوية للإنتاج المحلي، لأن ذلك لا يعني فقط توفير فرص عمل، بل يعني أيضًا تحقيق الاستقلال الاقتصادي وتقليل التبعية للخارج.

إصلاح منظومة الأجور والتأمينات الاجتماعية هو خطوة محورية في هذا السياق. العامل المصري لا يطلب المستحيل، بل يطلب عدالة تتناسب مع الجهد الذي يبذله، ومع الارتفاع الجنوني في الأسعار. الأجور الحالية لم تعد تكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية، ومع ذلك يتم الحديث عن التنمية والنهضة دون النظر إلى جيوب العمال ومعاناتهم اليومية. الحد الأدنى للأجور يجب أن يُقر على أساس علمي يراعي معدلات التضخم، ويُطبق بصرامة على كل القطاعات، سواء الحكومية أو الخاصة.

التأمينات الاجتماعية والصحية ليست رفاهية، بل حق أصيل يجب أن يتمتع به كل عامل. لا يمكن القبول بأن يظل ملايين العمال خارج مظلة التأمينات، يعيشون تحت رحمة الظروف. على الدولة أن تتبنى نظامًا شاملًا يضمن لكل عامل حق العلاج والتقاعد وحماية أسرته في حالة المرض أو العجز. هذه ليست منة أو فضل، بل هي مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها.

الدور النقابي المستقل يجب أن يُعاد إليه الاعتبار، لأن النقابات الحرة هي صوت العمال الحقيقي، وهي الوسيلة التي يمكن من خلالها الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم. الدولة يجب أن تدعم هذا الحق، وألا تقف عقبة أمام تأسيس النقابات المستقلة، لأن وجودها يعزز الاستقرار الاجتماعي، ويخلق بيئة عمل أكثر توازنًا وإنصافًا. النقابات ليست أداة للمعارضة، بل هي شريك في بناء الوطن، وعندما تُمنح الحرية، فإنها تُسهم في تحسين ظروف العمل وزيادة الإنتاج.

من الضروري أيضًا أن تتبنى الدولة سياسات اقتصادية واجتماعية تضع العامل في قلب خططها. يجب أن تكون هناك خطط قومية شاملة لتطوير الزراعة والصناعة والتعليم الفني، بما يضمن خلق فرص عمل جديدة للشباب، وتحقيق التنمية المستدامة. التصنيع المحلي يجب أن يكون أولوية قصوى، لأنه المفتاح لتحقيق الاستقلال الاقتصادي. كما يجب الاستثمار في التعليم الفني والتدريب المهني، لضمان وجود عمالة مدربة قادرة على تلبية احتياجات سوق العمل.

هذه الحلول ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وإيمان بأن العمال هم الثروة الحقيقية للوطن. العامل المصري هو الجندي المجهول الذي يحارب في صمت، ويدفع فاتورة القرارات الخاطئة دون أن يملك رفاهية التذمر أو الاحتجاج. حماية حقوقه ليست مجرد واجب أخلاقي، بل هي ضرورة لتحقيق الاستقرار والتنمية.

مصر لن تنهض إلا بسواعد عمالها، ولن تستعيد مكانتها إلا عندما يشعر كل عامل فيها بأنه ليس مجرد رقم في سجلات الحكومة، بل شريك حقيقي في بناء هذا الوطن. آن الأوان لإعادة الاعتبار للطبقة العاملة، والاعتراف بدورها المحوري، والعمل على تحسين ظروفها المعيشية والاقتصادية. هذه ليست قضية عمال فحسب، بل هي قضية وطن بأكمله، لأن قوة العامل هي قوة الوطن، وكرامته هي كرامة الجميع.