محمد دياب يكتب: سرقة التيار الكهربائي بين التراخي والحسم

سرقة التيار الكهربائي لم تعد مجرد تجاوز يمكن غض الطرف عنه أو التنبيه عليه بحملات توعية كما كان يحدث في الماضي. اليوم الدولة حسمت أمرها وأعلنت بوضوح أن العقوبات على هذا الفعل المشين قد تصل إلى مليون جنيه. إنها رسالة قوية بأن زمن "التحايل" و"العيب يا جماعة" قد انتهى وحان وقت الردع الحازم
ما نراه في شوارعنا تجاوز كل الحدود. محلات ومراكز تجارية حولت الكهرباء إلى أداة للاستهلاك المجنون وكأنها تضيء احتفالات لا تنتهي. لا تُفرّق إن كانت هذه الأنوار تنبعث من محل كشرى اوعصائر أو حتى مخبوزات المشهد واحد : إضاءة مفرطة وكأن النهار يزاحم الليل
ولكن المصيبة الأكبر هي أن جزءاً كبيراً من هذه الأنوار المُسلّطة على الشوارع وعلى أعيننا مسروق من الأعمدة والبوكسات المركزية.
"أبو بلاش كتر منه" أصبح المبدأ السائد للبعض دون أدنى مراعاة لكون هذه السرقة جريمة في حق المجتمع قبل أن تكون في حق القانون
الكارثة أن هذه التصرفات تأتي في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة طاقة. كنا نشكو في الصيف من تخفيف الأحمال وقطع الكهرباء لكننا لا نزال نرى استهلاكاً مبالغاً فيه حتى من أولئك الذين يدفعون فواتيرهم فكيف إذا كان هذا الاستهلاك غير قانوني؟
الأمر لم يعد يحتمل التراخي. التوعية وحدها لن تُجدّي مع من لا يفهم لغة الالتزام. هؤلاء يحتاجون إلى قوانين رادعة تُطبّق بصرامة. الغرامة وحدها لا تكفي لابد من الحبس كرسالة واضحة : لا مجال للتهاون مع من يسرق موارد وطنه
لكن السؤال الأهم: لماذا لا نلتزم إلا عندما نخاف؟ لماذا نتحول عندما نسافر للخارج إلى مواطنين مثاليين ونحترم القوانين بحذافيرها بينما في بلدنا نرى الالتزام خياراً وليس واجباً؟ أليست مصر أولى بأن نحترمها؟ أليست مواردنا الوطنية أحق بأن نصونها؟
لن يتغير هذا الواقع المؤسف إلا إذا ترسّخت لدينا ثقافة الالتزام واحترام القانون كجزء من هويتنا الوطنية. الالتزام ليس اختياراً بل واجب أخلاقي ووطني تجاه أنفسنا وتجاه الأجيال القادمة. سرقة التيار الكهربائي ليست فقط تعدياً على المال العام لكنها جريمة في حق كل مواطن شريف يدفع حقه بانتظام
على كل واحد فينا أن يبدأ بنفسه فلا عذر لمن يسرق أو يُفرّط في استهلاك الموارد. مصر تستحق منا أن نكون أكثر وعياً ومسؤولية فالتحضر لا يُقاس بعدد الأضواء ولا بالمظاهر البرّاقة بل بمدى احترامنا للنظام والتزامنا بالقانون. إذا لم نُصحح أخطاءنا اليوم فغداً لن نجد ما نتركه لأبنائنا سوى أزمة طاقة تتفاقم ومجتمع يفتقر للعدالة