الطريق
الثلاثاء 22 أبريل 2025 06:43 مـ 24 شوال 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب
وزير الزراعة يفتتح ويترأس الدورة الـ31 لمجلس إدارة مرصد الصحراء والساحل في العاصمة التونسية محافظ الشرقية يتفقد أعمال الرصف والتطوير الجارية بطريق ”أبو حاكم ـ ميت ابو علي” رئيس جامعة بنها يفتتح المؤتمر الطلابى الثالث لكلية التربية النوعية محافظ كفر الشيخ يتفقد مدرسة «القمح» الحقلية بشباس الملح وزيرة التنمية المحلية تلتقي رئيس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمجلس النواب محافظ الفيوم يبحث آليات تنفيذ حملات توعوية للصحة النفسية للمواطنين وزير الشؤون النيابية يشارك في الجلسة الافتتاحية للمجلس الأعلى للتشاور الاجتماعي في مجال العمل إعلام روسي: الجيش يعلن عن انفجارات وحريق في مستودع ذخيرة رئيسي بعد ”انتهاكات أمنية” ”زراعة محاصيل قابلة للتصدير”.. ورشة عمل بوزارة الري شاهد| الرابر مروان موسى يعلن عن ألبومه الجديد ”الرجل الذي فقد قلبه” وزير الاتصالات يغادر إلى دبى للمشاركة في فعاليات قمة ”الآلات يمكنها أن ترى” مصدر في كاف: التحقيق مع طاقم حكام مباراة أورلاندو وبيراميدز

محمد عبد الجليل يكتب: من حسن يوسف إلى ابنه: ليت أني لم أعش هذه الحياة

محمد عبد الجليل
محمد عبد الجليل

نعلّل بالدّواء إذا مرضنا فهل يشفي من الموت الدّواء
ونختار الطّبيب فهل طبيب يؤخّر ما يقدّمه القضاء
وما أنفاسنا إلا حساب ولا حسراتنا إلا فناء

مهما بلغت كلمات الرثاء وعبارات العزاء مبلغها من الصدق وحملت معها كثيرًا المواساة والتضامن، لن تكفي أبدًا لتطبيب جراح الفنان حسن يوسف وزوجته السيدة شمس البارودي، فأي كلمات تجبر كسر حياة طولها 89 عاما هي حياة الفنان، وأي عزاء يخفف من جرح 77 عاما هي سنوات عمر السيدة البارودي؟!

فالموت لم يقطع فقط صلة الابن المغدور بالغرق، وإنما مكالمة تليفون تخبر الفنان بوفاة نجله كانت كفيلة بأن تنهار معها حياته وحياة زوجته بلحظاتهما الناعمة وهما يداعبان طفلهما، بخوفهما عليه وهو يشب ليخطو أولى خطواته، مشكلاته في المدرسة، شجاره مع أقرانه وأشقائه، سهر العاشق وقلقه في سنوات مراهقته، وأخيرا تنتهي كل هذه الذكريات والمواقف على ما فيها من حلو ومر بلوعة قاسية تنتظر جثمان الشاب الذي يرقد على رجاء تشييعه إلى مثواه الأخير، وكأن لسان حالهما يقول:
يا عبد الله ليت أني من الأزل لم أعش هذه الحياة!

هكذا الموت، وحش ضارٍ يتغول على روح الإنسان قبل جسده، فيأكل كل يوم منها قطعة ويمزق تلك الروح إلى أشلاء، قبل أن تأتيه ساعة القضاء النافذ فلا يجد سوى شظايا من الذكريات الجميلة وأكوام من الندم تنتظره ساخرة!

يتربص الموت كذئب جائع، ينتظر فريسته بغدر وخِسَّة، وبينما ينعم الإنسان في عز مرحه وشبابه وصخبه، يترصده هذا الزائر الكئيب فيختار هذه اللحظة بالذات كما فعل مع نجل الفنان حسن يوسف، فيقطع حبل الحياة إلى الأبد غير عابئ بحُرقة قلب أُم، ولا بلوعة حبيبة، ولا حزن صديق أو جار!

الراحل عبد الله نعى نفسه بصورة قبل موته بدا فيها شاخصًا يرنو إلى ضيف ينتظره، العينان كانتا في شرود كأنما تتطلعان إلى طيف يسد الأفق أمامه، لا شيء أبدًا في هذه الحياة يجعل شابا يبدو شاحبا مخطوفا هكذا سوى نظرة الموت!

بموت الابن تموت أشياء كثيرة في والديه، تموت "حتَّة" منهما، سنوات رعايته عندما كان طفلا ثم صبيا، نزقه وتمرده في شبابه الباكر، فرحة عينيهما عند استواء عوده، ثم تشوقهما إلى يوم زفافه إلى عروسه ليصير "أعز الوِلد وِلد الوِلد".

الفنان حسن يوسف يبلغ من العمر 89 عاما، ولا شك أنه وزوجته الفاضلة لم يريا خلال تلك السنين من المصائب مثل فاجعة فقدان نجله بهذه الطريقة الدرامية الفجائية التي كان الشاب فيها يعانق الحياة وينعم بسخائها وعطائها وإرادة المغامرة التي استدرجته إلى نزول البحر في سواد الليل، لكن المفارقة أن الحياة كانت تخفي وراء ظهرها وجهًا آخرَ من القتامة والسواد.. إنه الموت الذي كان ينظر إلى الشاب من طرف خفي ويراقب دهشته ومرحه قبل أن يداهم هذه الفرحة بـ"إسفكسيا غرق" كئيبة أودت بحياة الشاب حسب تقرير الطب الشرعي الذي وقَّع الكشف على جثته.

لا عزاء يكفي الفنان في هذا المُصاب، لأنه ليس عزاءه فقط، وإنما عزاء وحزن غامر على شباب وفتيات يتخطفهم الموت في ريعان عافيتهم وحيويتهم فيطفئ فيهم نور الحياة ويترك الغمَّ والألم يعصر قلوب كل من يحبونهم، حتى يرجع الموت كرَّة أخرى فيقتات على أرواح أشقاها الفراق وكسرتها الذكرى، فلا يجد سوى جسد حي بلا حياة.