في يوم ميلاده الـ 96.. هذا ما دار بين محمد حسنين هيكل وأينشتين

لقبوه بالأستاذ في مهنته، فقد كان بالنسبة لهم المعلم والأسطورة التي عاصرت أكثر من عصر، بدأ في الصحافة منذ عصر الملك فاروق، ولمع نجمه مع ثورة يوليو، وكان من المقربين للرئيس السادات لفترة كبيرة، وأرخت كتاباته الكثير من الأحداث الهامة في مص، ليصبح شاهدا على العصر بالفعل، إنه الأستاذ محمد حسنين هيكل.
من الصعب تناول كل ما يتعلق بالكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، فهناك قدرته على تحليل الأحداث واستقراء ما يكمن وراء الخبر، وأيضا ما كان يمتكله من قدرات أهلته لكي يكون ممن تتم استشارتهم أولا من قبل مختلف القادة والزعماء على مستوى العالم، واحتفالا بمرور 96 سنة على ميلاده، يكشف"الطريق" كيف كان ينظر هيكل للعرب واليهود، من خلال نشر أبرز تصريحاته في حوار نادر أجراه مع ألبرت أينشتين.
دار الحوار الذي نشرته صحيفة "التايمز" الأمريكية عام 1952، بين محمد حسنين هيكل وألبرت أينشتين في قاعة استقبال بجامعة برنستون، التابعة للبروفيسور الألماني الذي يعود لأصول يهودية، فقد علم أينشتين أن هيكل على صلة جيدة جدا مع الضباط الأحرار في مصر، وكان أكثر ما يشغل باله هو معرفة بعض التفاصيل عنهم منه، خصوصا بعد كل ما مروا به منذ قيامهم بثورة 23 يوليو ضد النظام الملكي، ومن قبلها ما تعرضوا له في الفالوجة في فلسطين، فأراد أينشتين أن يطرق هذه الأبواب، خاصة في ظل الوجود اليهودي في الشرق الأوسط.
أينشتين: هل تعرف ما الذي ينوون عمله بأهلي من اليهود الذين يعيشون في فلسطين؟
كان وقع هذا السؤال على هيكل بمثابة المفاجأة، وبسبب دهشته سادت لحظة صمت، ذلك الصمت الذي كسره أينشتين بالقول: اهتمامي باليهود إنساني.. واهتمامي بإسرائيل إنساني أيضا، عشت معهم في ألمانيا فيما تعرضوا له قبل الحرب، وتركتهم مبكرا قاصدا أمريكا بصحبة وايزمان أول رئيس لإسرائيل، لقد أراد مني أن أشارك في جمع تبرعات لصالح الجامعة العبرية بالقدس ووافقت، هم أهلي وأنا أعرف الناس بما تعرضوا له، وأشاركهم حلم الوطن، أن يكون لهم وطن لا يضطهدهم فيه أحد، لا أريدهم أن يضطهدوا العرب، فعرب فلسطين لهم الحق في الوطن الوحيد الذي عرفوه، ما كان يحزنني فيما جرى في ناحيتكم من العالم سنة 1948، وبدا لي أنه صراع بين حقين، فباختصار، موقفي مع اليهود إنساني، ومع العرب إنساني، لقد سعدت بقيام وطن لليهود في فلسطين".
وجاء رد الأستاذ.
هيكل: إن لك نظرة عالمية شاملة، تجعلني اتساءل عن جذورها في تفكيرك؟ هل مرجعيتها إلى يهوديتك التي لا تعرف وطنا أو إلى كونك عالما مهتم بالكون وأسراره التي لا تعرف الحدود الوطنية؟
أينشتين: لا أعرف، لكن أتمنى أن تفهمني إذا قلتُ لك أنني لست متدينا، فالهوية بالنسبة لي هوية ثقافية ومواريث حضارية إنسانية، في المقام الأول، فقد عشتُ في ألمانيا ايام القيصر، وأيضا مع بداية أيام هتلر، وكان أول شعور اكتشفته هو كراهية الحرب.
وانطلق الحديث بين أينشتين وهيكل، وتحدثا كلاهما عن عدة أمور علمية بشكل أساسي، أهمها نظرية النسبية، والقنبلة النووية، ليصلا في ختام الحديث إلى ثورة 23 يوليو وتنظيم الضباط الأحرار، ومن خلال سياق الحديث بينهما تحدث هيكل عن الثورة وعن الضباط الأحرار وعن قائد الثورة الحقيقي، وكانت المفاجأة هي أن اينشتين أعتبر أن القائد الفعلي للثورة هو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فعاود وسأل هيكل قائلا: ماذا يريد هذا الكولونيل من اليهود وإسرائيل؟
هيكل: لا أظن أن الجنرال محمد نجيب أو الكولونيل عبدالناصر أو شباب الضباط لديهم مشكلة مع اليهود فالمشكلة مع إسرائيل الدولة وخططها العدوانية ضد الفلسطينين والعرب، وهنا تكمن المشكلة.
لكن ترى كيف نظر محمد حسنين هيكل للحوار الذي أجراه مع أينشتين وكيف كان تعقيبه عليه؟.
عن هذا الحوار قال الأستاذ هيكل في الكلمة الافتتاحية من كتابه: "زيارة جديدة للتاريخ"، "بين كل الذين أتيحت لى فرصة مقابلتهم يظل ألبرت آينشتين عالم الطبيعيات الأكبر، وصاحب نظرية النسبية، التى فتحت آفاق الكون أمام عقل وعين الإنسان، رجلا أتمنى لو كان فى استطاعتى أن أسترجع الأيام والأقدار وأٌقابله مرة أخرى، إن مثل هذا الشعور يراودنى فى حالة كثيرين ممن عرفت، لكنه فى حالة ألبرت أينشتاين بالذات أكثر ظهورا وأقرب إلى البال.