تامر أفندي يكتب: «تنجيم مسلمة وغطرسة هشام وصلب زيد»

«كان يا ما كان يا سعد يا كرام، ولا يحلى الكلام إلا بالصلاة على النبي العدنان، كان فيه تاريخ ومن الحكمة قراءة ما مضى من الأيام وما كتبته الأقلام حتى لا يتكرر "زلف" الأقدام».
أبدأ بكم من لدن ما ردده سليمان ابن عبد الملك وهو يترنح من أثر الخمر بعد وفاة شقيقه:
أبني أمية قد دنا تشتيتكم
وذهاب ملككم وأن لا يرجع
رؤية سقوط بني أمية لم تقتصر على ما صاغه "سليمان" من أبيات شعر، بل كانت شعوراً امتد إلى هشام بن عبد الملك وامتد إلى ما بعده من حُكام عرب.. مشهد لا نمل من إعادته وبرغم مرور السنوات لم نستطع تفاديه.. في كل زمان نكرر استدعاء هشام لشقيقه مسلمة ليكشف له الطالع: «يا أمير المؤمنين إن الغد لا يبعث على التفاؤل»
خاف هشام مما يسمع وقال: « لا أرى دولة ثابتة الدعائم وليست ميمونة الطالع.. ولم يبق لنا فيها رجاء يا أخي».
فقال مسلمة: خفف عنك، ستظل هذه الدولة قائمة بعدك إلى حين ثم تنتقل إلى بني أعمامنا من آل هاشم».
فرد هشام: ونحن يا مسلمة ماذا يحل بنا؟.
فتردد مسلمة ثم قال: أرى بحيرة تضطرب بالدم وإني لأبصر بأيد ضارعة وشفاه تطلب النصرة فلا يهفو إليها مغيث، وكلما حاول منكوب أن ينجو بنفسه من المستنقع القاني أهوى عليه سيف رهيف وطويل فيفلقه ويدحرجه إلى الأعماق، على إن هامة فتية، قدت غشاوة الدم ووثبت إلى الضفة الآمنة من البحيرة، تُجاهد في الخلاص وقبضت يدها على جذع أسعفها على الدنو من اليابسة وانقض عليها بالسيف فأخطأها واتسع لها مجال القرار».
وإلی أین انتهى الفار يا مسلمة؟
إلى المغرب يا أمير المؤمنين يُعيد المجد المفقود ويؤسس دولة تُعادل بسناها الدولة المشرقية.
كان هذا الفار في طالع مسلمة، هو عبد الرحمن ابن معاوية ابن هشام، الهارب من بحيرة الدم الحامل إلى المغرب مجد الأمويين.
حتى تنجيم مسلمة افتقدناه، ألا يوجد من بين العرب الآن من يقرأ لنا الطالع ويخبرنا من هو فتى الشرق القادم!
لم تغير تنبؤات مسلمة طبائع هشام، كان خشناً لم ير زمن أصعب من زمانه.. فأراد الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الثورة عليه وشاور أخاه أبا جعفر
فأشار عليه بأن لا يركن إلى أهل الكوفة إذ كانوا أهل غدر ومكر وقال له: بها قتل جدك علي وبها طعن عمك الحسن وبها قتل أبوك الحسين.. فأبى إلا ما عزم عليه من المطالبة بالحق.. فقال له : «إني أخاف عليك يا أخي، أن تكون غداً المصلوب بكناسة الكوفة»
ولما قدم زيد الشام، كان حسن الخلق حلو اللسان، فبلغ ذلك «هشام» فاشتد عليه فشكا ذلك إلى مولى له فقال ائذن للناس واحجب زيداً، وائذن له في آخر الناس، فدخل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين، فلم يرد عليه.. وقال له: «أنت الطامع في الخلافة وأمك أمة».
فقال زيد له: «إن لكلامك جواباً، فإن شئت أجبت».
قال له هشام وما جوابك؟.. فقال زيد: «إن الأمهات لا يقتعدن بالرجال عن الغايات وقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحق، فلم يمنعه أن يبعثه الله نبياً وجعله للعرب أبا فأخرج من صلبه خير البشر محمد صلعم، فتقول لي هذا وأنا ابن فاطمة وابن علي؟.
فلما خرج قال هشام لجلسائه أنتم القائلون أن رجالات بني هاشم هلكت! والله ما هلك قوم هذا منهم
ذهب زيد إلى الكوفة وخرج عنها ومعه القراء والأشراف فحاربه يوسف بن عمر الثقفي، فلما قامت الحرب انهزم أصحاب، وراح مثخناً بالجراح وقد أصابه سهم في جبهته فطلبوا من ينزع النصل، فأتوا بحجام من بعض القرى فاستكتموه أمره فاستخرج النصل فمات من ساعته، فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش.
وحضر الحجام مواراته فعرف الموضع، فلما أصبح مضى إلى يوسف بن عمر الثقفي، ودله على موضع قبره فاستخرجه وبعث برأسه إلى هشام فكتب إليه هشام أن اصلبه عرياناً ونشد يقول:
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة
ولم أر مهدياً على الجذع يُصلب
بعد موت "هشام" لم يأت من هو أفضل منه، وكأن خزانة الأيام لم يعد فيها إلا الأسوء، جاء "الوليد" وليته لم يُولد ولم يأت.
نستكمل حديثنا الأسبوع القادم إن شاء الله.