الطريق
الخميس 4 يوليو 2024 08:58 صـ 28 ذو الحجة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

في ذكري ميلاد سليمان نجيب.. لم يمشي في جنازته أحد من أهله فخرج المصريون بالآلاف لوداعه

سليمان نجيب
سليمان نجيب

كان لابد من تسجيل مشهد النهاية حتي يتعرف الجميع، علي قيمة وقامة فنان مثل نجيب سليمان، الذي أحبه المصريون وعشقوه، ولم يمشي في جنازته أحد من أهله فكان المصريون أهله.

مشهد النهاية وصفه الشاعر الكبير "كامل الشناوي"، الذي كان يمر بأزمة نفسية حادة وقتها، لتعيد جنازة الفنان سليمان نجيب إيمانه بالحياة وأن هناك أناس يستحقون التحية والتقدير علي عملهم.

كانت الجنازة مهيبة واكتظ السرادق الرحب الطويل، القائم في ميدان التحرير، بألوان من الناس، بينهم رجال الدين، والأعمال، والقضاء، والعلماء، والفلاسفة، والفنانين، والسياسيون، والصحفيون، والأدباء، والرياضيون، والعمال، وأصحاب رؤوس الأعمال، لم يكن في السرادق واحد يتقبل العزاء، كان الجميع يعزون، وكانوا جميعا يتقبلون العزاء، أنه سليمان نجيب الذي كان فردا من أفراد كل أسرة، وكل إنسان عضوا في أسرة سليمان نجيب، إن شقيقه الوحيد، حسني نجيب، لم يحضر موت أخيه، لم يشترك في تشييع الجنازة، كان غائبا عن مصر، وفي صباح اليوم اتصل من بغداد ببيته في القاهرة، وقيل له إن سليمان مريض فقال:

لأزم أكل أكلة جامدة.

ولما قيل له إنه مريض جدا، اختنق صوته، وسأل في اضطراب:

هل حدث شيء.

فقال المتكلم من القاهرة.

البقية في حياتك.

وانقطع الصوت بين القاهرة وبغداد.

سارت الجنازة من ميدان التحرير إلي جامع الكخيا، واخترقت شارع سليمان باشا ثم شارع قصر النيل، يصف كامل الشناوي حاله في ذلك الوقت، قائلا: كنت أمشي في الصفوف الوسطي، وعندما اقتربت من مبني البنك الأهلي تلفت ورائي فإذا أخر الجنازة في ميدان سليمان باشا وتطلعت إلي الأمام فإذا نعش الفقيد يجتاز ميدان مصطفي كامل، كنا نسمع طول الطريق أنات خافتة مصحوبة بهذه الدعوة، الله يرحمه ويحسن إليه، فنري وجوها جللها الحزن والوجوم، وقفت أمام المسجد أنتظر خروج الجثة، وكان إلي جانبي اللواء شوقي عبد الرحمن، واللواء الزيدي، وتلميذ صغير في الحادية عشرة من عمره، كان يبكي فسأله شوقي عبد الرحمن:

هل أنت قريب سليمان نجيب؟

فقال:

لا، ولكنه صديقي.

ولما سألناه كيف كان صديقه قال:

كنت أشاهده في السينما وأسمعه في الراديو، ولما علمت اليوم أنه مات بكيت، ولم أذهب إلي المدرسة وجئت لأشيع جنازته.

كانت الأرصفة تموج بآلاف الرجال والنساء والأطفال، وكانت شرفات العمارات المطلة علي الشوارع والميادين التي اجتازتها الجنازة، تعج بالناس من جميع الطبقات، هؤلاء هم جمهور سليمان نجيب، عشاقه وأصدقاءه الذين يعرفونه ولا يعرفهم، رأوه فوق المسرح، وفي السينما، وأتاح لهم بفنه الأصيل متاعا وطمنأنينة وابتساما، وإنهم اليوم يؤدون له الثمن حزنا، وقلقا، ودموعا.

هذه الكلمات جاء في كتاب كامل الشناوي "يوميات" ونقلت من مقال كتبه في جريدة الأخبار بتاريخ 25/1/1955، هذه قيمة فنان سليمان نجيب الذي أحبه الناس.

بالعودة إلي تاريخ سليمان نجيب سوف نجد أنه حافل بالأعمال الفنية، فهو ينحدر من أسرة عريقة، وكان يحب التمثيل وهو طالب في المدرسة التحضيرية في منطقة درب الجماميز بالسيدة زينب، بعدها قرر أن يتجه إلي التمثيل علي الرغم من رفض عائلته ذلك، لكن أصر عليه، وعلي الرغم من أن سليمان نجيب كان يعمل في التمثيل لكنه تقلد مجموعة من المناصب من بينها في وزارتي الأوقاف والعدل، حيث عمل في السكرتارية في كل منهما، كما مثل مصر كقنصل في السفارة المصرية بمدينة استانبول التركية.

قدم ما يزيد عن 40 مسرحية، وفي السينما شارك في العديد من الأعمال السينمائية بالإضافة إلي القيام بتأليف بعض الأفلام، وشارك في تأليف فيلم الوردة البيضاء، وكتب القصة والحوار، وفيلم الدكتور، والحل الأخير، إلي الأبد، أخيرا تزوجت، قبلة في لبنان، ما أقدرش، لست ملاكا، البيت الكبير.

كما قام بتأليف كتاب "يوميات عربجي" بالإضافة إلي توليه منصب رئيس الأوبرا المصرية كأول مصري يتولي رئاستها، أنه أحد رواد الفن المصري والعربي، الذي عشق الفن وتخلي عن كل شيء مقابل إيمانه به.

تاريخ ميلاد سليمان نجيب 21 يونيو 1892، وتوفي في 1955.