في ذكرى إعلان الجمهورية.. تفاصيل تولى جمال عبد الناصر لمنصب نائب رئيس الحكومة ووزارة الداخلية

فى مثل هذا اليوم الثامن عشر، من شهر يونيه، لـ عام ألف وتسعمائه وثلاثة وخمسون؛ سقطت الملكية وأعلنت الجمهورية فى مصر إيذانا ببدء عهد جديد، وانتهت إلى الأبد أسطورة الملك فاروق الذى إنهار عرشه، ومنذ ذلك التاريخ وحتى هذه اللحظة ستظل حياة فاروق ووفاته لغزًا محيرًا ، وكيف تهاوى عرش الملك الشاب الذى استقبله المصريون بالفرحة والاستبشار وكان قريبًا من قلوبهم، وبعد سنوات قليلة من حكمه تبدلت الأحوال وتحول الحب الى كره حتى قام الضباط الأحرار بثورة يوليو.
ففى مساء يوم الثامن عشر من شهر يونيو لـ عام ألف تسعمائة ثلاثة وخمسون، قرر مجلس قيادة الثورة إعلان الجمهورية المصرية وتضمن القرار تولى اللواء محمد نجيب رئاسة الجمهورية، وإن يكون للشعب الكلمة الأخيرة فى تحديد نوع الجمهورية رئاسية أم برلمانية، وأختيار الرئيس أيضًا وذلك بمجرد إقرار مشروع الدستور.
وعين وقتها بالفعل نجيب رئيسًا للجمهورية وجمال عبدالناصر نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية، ووفقا للنظام الجديد فقد تم ارساء مشاركة الشعب فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو ما يعرف بـ«الديمقراطية» ومفهومها الذى يقوم على مبدأ سيادة الشعب وحريته فى اختيار حكامه وقياداته، وأن السيادة فى يد الشعب الذى يختار البرلمان وله صلاحيات التشريع ومراقبة أداء الحكومة ، على عكس النظام الملكى الذى يقوم على حكم الملك الفرد .
وبالطبع فإن الحكم على شخصية فاروق يتطلب تحليل نشأته لأنها كانت ذات تأثير كبير على تكوينه وسلوكه وطباعه وهواياته وسماته الشخصية .
الملك فاروق مواليد 11 فبراير لـ عام 1920 وهو آخر ملوك المملكة المصرية؛ وآخر من حكم مصر من أسرة محمد على و احتفالًا بمولده أطلقت المدفعية 21 طلقة فى قصر عابدين، وقد أصبح فاروق وليًا للعهد وهو صغير السن وأطلق عليه والده الملك فؤاد لقب «أمير الصعيد « فى 12 ديسمبر 1933 واصطحبه معه فى مناسبات عديدة ليقدمه للشعب كان أولها حفل المرشدات فى النادى الأهلى فى 7 ابريل عام 1932 وكان عمر فاروق وقتها 12 عاًما.
ورافق فاروق فى سفره أحمد باشا حسنين والذى سيكون له دور فى حياة فاروق فيما بعد وقد خطط للاستحواذ عليه منذ ذلك الحين ، رافق فاروق أيضا عزيز المصرى كبير المعلمين وعمر فتحى حارسا له وكبير الياوران والدكتور عباس الكفراوى طبيبه الخاص .
تلك الفترة شكلت شخصية فاروق لكن ليس بالشكل الذى أراده له والده فقد أراد ان يؤهله على الحياة العسكرية كملك مصر القادم وكان مهتما بتعليمه اللغة العربية وعلوم الدين، وهذا ما حاول ان يفعله معه عزيز المصرى لكن أحمد حسنين أطاح بكل هذا وشجع الامير الصغير على حياة اللهو.
وتوفى فؤاد فى 28 ابريل 1936، وتم تشكيل مجلس وصاية، واستمرت الوصاية على فاروق سنة وثلاثة شهور اذ أتم 18 سنة هلالية فى 21 جمادى الاولى 1356 الموافق 29 يوليو1937 وهو تاريخ تتويجه رسميا عرش مصر منفردا ، واستقبله الشعب استقبالا رائعا، ثم التف الشعب حول الملك الشاب وكانت بداية حكمه تتسم بالايجابية وكان حريصا على صلته المباشرة بالشعب، وقام بعدة اجراءات مرضية.
كانت والدته نازلى المسمار الأول فى عرشه وكانت مسئولة عن غضب الشعب منه وأساءت لابنها وكانت سببا فى ان ينال الجميع منه وربما تكون هى السبب الرئيسى فى معاناته نفسيا داخل القصر ، بعد وفاة الملك فؤاد خلعت أرملته نازلى النقاب وتحلت بأجمل الملابس واللآليء وسافرت مع ابنها الى أوروبا وتحولت الى حياة اللهو وكان القصر على يديها مرتعا للموسيقى والرقص وزادت سهراتها وكانت تصرفاتها كفيلة بتمزيق شخصية ابنها وهو فى بداية حياته وربما تكون سببا فى تحول شخصيته الى اللامبالاة وأصبح نهما للطعام ، وزاد الطين بلة بعلاقتها برئيس الديوان احمد حسنين باشا وزواجه منها عرفيا.
بريطانيا هى الأخرى كانت معول هدم فى عرش فاروق وعبئا ثقيلا عليه رغم انها وعدته فى بداية حكمه ألا تتدخل فى حكمه لكنها فعلت العكس ولذلك اتجه لتوطيد علاقته بامريكا.
حتى علاقة فاروق بجيشه لم تعد كما كانت طيبة فى البداية عندما كان هو القائد الأعلى وهو الذى يعين ويقيل وكان رجال الجيش يهتفون بحياة الملك وسقوط بريطانيا ، لكن لأن رجال الجيش هم جزء من الشعب فلم يرضهم تصرفات فاروق السياسية والشخصية فى أواخر عهده وكان أهم ما هدد عرش فاروق وأدى لتشكيل الضباط الاحرار وثورة 23 يوليو هو :- حادثة 4 فبراير حيث حاصرت القوات البريطانية قصر عابدين وأجبره السفير البريطانى سير مايلز لامبسون على التوقيع على قرار باستدعاء النحاس لتشكيل الحكومة او ان يتنازل عن العرش ، كان ذلك اثناء الحرب العالمية الثانية وكان من المفترض ان يرفض فاروق حتى لو كلفه ذلك تنازله عن العرش لكنه رضخ للانذار البريطانى مما جعل الشعور بالغضب ينتاب الشعب وقادة الجيش.
الأمر الثانى هو الأسلحة الفاسدة التى تزود بها الجيش المصرى اثناء حرب فلسطين والتى تدخل فيها سماسرة مصريون واجانب داخل القصر وخارجه وظهر تقرير ديوان المراقبة وقتها به مخالفات جسيمة تشوب صفقة هذه الاسلحة .
تزوج فاروق مرتين الأولى من الملكة فريدة أو صافيناز ذو الفقار والتى تعرف عليها فى أوروبا عقب توليه العرش وتزوجها وكان عمرها 16 عاما وأثمر الزواج عن ثلاث بنات هن : فريال وفوزية وفادية وبدأت الخلافات بينهما وزادت لعدم انجابها وريثا للعرش ، وفى 17 نوفمبر 1948 تم الطلاق وغضب الشعب اذ كانت فريدة محبوبة من المصريين لدرجة انه خرجت مظاهرات ، والزواج الثانى من ناريمان تم فى 6 مايو 1951 وتزوجت فاروق وأنجبت له وريث العرش أحمد فؤاد الثانى الذى كان يتمناه فى 16 يناير 1952 لكن شاءت الأقدار ألا يهنأ بذلك اذ قامت الثورة .
هناك الكثير والكثير نشر عن حياة فاروق وعلاقاته النسائية؛ ولعبه القمار، وحياة اللهو، والفساد، تقول الدكتورة لطيفة محمد سالم فى كتابها « فاروق وسقوط الملكية فى مصر» إن فاروق ورث عن أبيه الشهوة للسلطة وورث عن جده الأكبر سليمان باشا الفرنساوى حب اللهو والمغامرة ، وظروف نشأته وحياته انعكست على شخصيته وحتى على هواياته مثل الصيد التى يرى علماء النفس انها تعكس رغبة لديه فى اظهار القوة والمباهاة وكان يدعو الأجانب والعسكريين للصيد معه ، وهواية الاقتناء لساعات وتحف وأسلحة وعملات وطوابع بريد ومجوهرات وميداليات ونقود وتماثيل ونياشين وتعكس رغبته فى التملك ونرجسية واستحواذ وأنانية .
عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 اجتمع مجلس الوزراء وقتها ونودى بأحمد فؤاد الثانى ملكًا للبلاد وكان عمره وقتها ستة أشهر وتقرر أن يباشر سلطاته مجلس وصاية لكن فى 18 يونيو 1953 إنتهى عرش فاروق وسقطت الملكية فى مصر بإعلان الجمهورية، وكان الملك قد غادر الى منفاه هو وزوجته ناريمان وأولاده.
توفى فاروق 18 مارس 1965 فى الواحدة والنصف صباحا بعد تناوله العشاء فى مطعم شهير بروما وجاء بالتقرير الطبى انه توفى بسبب ضيق فى الشرايين وارتفاع ضغط الدم بسبب كميات الطعام التى تناولها فى تلك الليلة.