الطريق
الأربعاء 23 أبريل 2025 12:38 صـ 24 شوال 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب
عضو الديمقراطي الأمريكي: نتنياهو بدأ في مخطط التهويد الكامل للضفة واحتلال غزة بمساعدة ترامب ”فتح”: إسرائيل تعيد هندسة الضفة الغربية بطريقة جغرافية وديموغرافية جديدة ترامب: العملات المشفرة بحاجة إلى تنظيم الموسيقار عمر خيرت يشارك جمهور الأوبرا احتفالات أعياد الربيع على المسرح الكبير شاهد| ”من مصر” يسلط الضوء على رفض مصر سياسة ”فرض الأمر الواقع” الإسرائيلية مستشار سابق لبوتين: روسيا تدفع إيران نحو اتفاق مع أمريكا بشأن الملف النووي فيديو| صرخات الجوع في غزة.. الحصار الإسرائيلى يدفع سكان القطاع نحو المجاعة مصادر طبية: 32 شهيدا في غارات الاحتلال على مناطق عدة في قطاع غزة، منذ فجر اليوم شاهد| الشيخ صاحب فيديو إطعام الكلاب: الرحمة أساس ديننا الحنيف وزير الثقافة المصري يلتقي مستشار الشؤون الثقافية بمؤسسة قطر ويؤكد أهمية التعاون المشترك في صون التراث فيديو| واشنطن في ورطة.. ماذا يحدث في البنتاجون تحت قيادة “هيجسيث”؟ الإرشاد الزراعى بالبحيرة ينظم ندوة إرشادية عن تحميل السمسم على القطن موسم 2025

والدة الشهيد نقيب محمود أبو العز تفتح خزان أسرارها لـ «الطريق»: معروف باحترامه وكان نفسه يتجوز.. «حوار»

أم الشهيد مع محرر الطريق
أم الشهيد مع محرر الطريق
القاهرة
  • استشهد قبل زفافه بـ 3 أشهر

  • كان يشترك في جمعيات ويدخر من راتبه لتجهيز شقته

  • تنبأ باستشهاده قبل رحيله بساعات

  • والدته رأت نورًا يشع من فراشه قبل استشهاده

  • كان يساعد الفقراء ويقدم الطعام للمساجين في رمضان

منذ أن وطأت أقدامنا منطقة الملك الصالح بمصر القديمة، وجدنا اسم الشهيد نقيب محمود أبو العز الذي استشهد أثناء تصديه لمحاولة سطو مسلح على أحد بنوك القاهرة، فى 5 مارس 2013، قبل زفافه بثلاثة شهور فقط، يزين الشارع.

سألنا الأهالي عن منزله فأصروا على اصطحابنا إلى حيث تعيش والدته، وخلال سيرنا بالطريق روى سكان المنطقة قصص إنسانية عن مروءة النقيب الراحل ومواقفه مع جيرانه.

«ابن موت وباين عليه».. يقول أحدهم إن النقيب شرطة محمود أبو العز كان عونًا للفقراء، ويقدم لهم المساعدات في الخفاء، ونصيرًا للضعفاء، وحينما يجد خطأ يحاول إصلاحه وتقديم النصيحة للآخرين قبل اتخاذ أي إجراء قانوني.

أحلام محمد أحمد والدة الشهيد نقيب محمود أحمد أبو العز ضابط قسم شرطة مصر القديمة، استقبلتنا بسعادة بالغة، لكنها انهارت بالبكاء عندما سألناها عن كواليس الساعات الأخيرة التي سبقت استشهاده؟

والدة الشهيد مع محرر الطريق

تقول ذهبت كعادتي في الثانية ظهر اليوم الذي استشهد فيه للاطمئنان عليه بغرفة نومه، فوجدت نورًا يشع من فراشه، أصبت بالذهول، وكشفت عنه غطائه، فوجدته غارقًا في نوم عميق ووجه مشرق كأنه بدر، وبعدما استيقظ سألته لماذا لا يذهب إلى عمله صباحًا بدلا من الليل؟، فأجابني باسمًا بأن الخارجون عن القانون ينشطون في الليل وواجبنا التصدي لهم ومنعهم من ارتكاب الجرائم في حق الأبرياء.

ما آخر مواقف الشهيد؟

قال لي أشعر إن هذا الشارع الذي نسكن فيه سيُطلق اسمي عليه قريبًا، وودعني بقبلة وارتدى ملابسه وخرج إلى أصدقائه، سلم عليهم وأخبرهم أنه يحس باقتراب استشهاده، وقبل أن يذهب إلى عمله مر على بعض أهالي المنطقة الذين كان قد حضر جلسة صلح بينهم وعنف المخطئ وقتها، ليطلب منه مسامحته لو كان بدر منه شيء ضايقه، واحتضنا بعضهما.

بعد ذهابه إلى عمله ماذا حدث؟

بعدها توجه إلى القسم، ليتلقى بلاغًا بالسطو على أحد البنوك بالقاهرة، وبالصدفة كان الضباط الذي من المفترض أن يتولى المهمة مريض، فقرر محمود تنفيذ المهمة نيابة عنه، وعندما وصل إلى موقع الحادث وخرج من سيارته وجد المجرمين أمامه فطلب منهم تسليم أنفسهم، لكنهم سارعوا بإطلاق وابلا من الرصاص تجاه السيارة، فما كان من الشهيد محمود إلا أنه دفع أمين شرطة كان يقف بجواره بعيدًا عن النيران وتلقى هو عدة رصاصات أدت إلى استشهاده.

والدة الشهيد مع محرر الطريق

كيف استقبلتِ خبر استشهاده؟

بعد مرور قرابة 4 ساعات على خروجه من المنزل وجدت يمامة تدخل من شباك غرفته وتحوم فيها، راقبتها من بعيد فرأيتها تهز رأسها يسارًا ويمينًا، وتنوح كأنها تبكي، وقتها شعرت أن حدثًا عظيمًا قد جرى لابني، واتصلت على هاتفه فوجدته مغلقًا، وبعد ساعة تلقيت اتصالا من أحد زملائه يبلغني فيه أن محمود يرقد في المستشفى بسبب إصابة تعرض لها أثناء عمله، لكني كنت قد تيقنت بأنه رحل عن عالمنا وعندما ذهبت إلى المستشفى لرؤيته كان قد فارق الحياة.

قلتِ لنا في بداية دخولنا أن هذه شقة الشهيد محمود الذي كان يجهزها لزفافه.. هل رحل قبل أن يتجوز؟

الشهيد محمود استشهد في 5 مارس 2013 وعمره 22 عامًا، كان يدخر جزءًا من راتبه ويشترك في جمعيات لتجهيز شقته، وبعدما اخترت له ابنة عمه ووافق عليها وحددنا موعد الزفاف لم يمهله القدر واستشهد قبل الموعد بـ 3 أشهر، لكنه الآن عريس في الجنة، وأنا أحتفظ بشقته كما هي واحرص على نظافتها، وأضع فيها الأوسمة والنياشين التي حصل عليها.

والدة الشهيد مع محرر الطريق

في أثتاء مجيئنا حكي لنا الأهالي قصص عن نبل الشهيد وشهامته، كيف كان يتعامل مع جيرانه؟

الشهيد محمود أصغر إخوته، ووالده توفي حينما كان في الصف الثاني الابتدائي، وربيته على الاحترام والأخلاق، وبعدما أصبح ضابطًا في وزارة الداخلية كان يسأل السيدات في الشارع أثناء ذهابه إلى السوق إذا كانت إحداهن بحاجة إلى أية متطلبات من السوق ليأتي بها، دون أي اعتبارات إلى كونه ضابط، وكان يقدم المساعدات لأهالي المنطقة في الخفاء، ولم أعلم بذلك إلا بعد استشهاده عندما جاء بعضهم إلىّ وقصوا لي ما كان يفعله معهم.

وذات مرة عاد للمنزل بملابس ممزقة، وسألته عن السبب فقال لى إنه كان يطارد أحد الخارجين عن القانون، بعدما خطف أحدهم حقيبة إحدى السيدات، واشتبك مع اللصوص بمفرده وأعاد الحقيبة إلى السيدة، وفي واقعة أخرى وقف على سيارة توزع الأنابيب أثناء أزمة الغاز عقب ثورة يناير، ليحمل عن كبار السن الذين لا يستطيعون حمل الأنبوبة.

أثناء عمله كضابط شرطة كان يتعرض لمواقف هل حكي لكي عنها؟

في رمضان كنت أعد الإفطار له وإخوته فيوصويني بأن أجهز كميات من الطعام الذي نأكل منه ليقدمها إلى السجناء، ويقول إنهم بشرًا منهم الذين دخلوا السجن ظلمًا وعلينا إطعامهم مما رزقنا الله من فضله، وفي موقف آخر ألقى القبض على بعض الشباب الجامعيين بعدما اتهمهم أحد الأشخاص بشكوى كيدية، وحينما قصوا عليه حكايتهم وأنهم مظلومين، أجلسهم في مكتبه وخرج يبحث ويتحرى حول الواقعة حتى توصل لدليل براءتهم وحولهم إلى النيابة التي أخلت سبيلهم بناء على تحرياته، وقال لي بعدها أنه يشعر بالضيق عندما يرى مظلومًا ولا يرتاح حتى يرد عنه الظلم.

والدة الشهيد مع محرر الطريق

هل ظهرت لكِ علامات تطمئنك على الشهيد؟

في يوم شديد البرودة كانت السحب تغطي السماء، وذهبت إلى المقابر، وأخذت اقرأ القرآن الكريم بجوار قبره، حينها شعرت بالسكينة ودعوت الله أن يظهر لي علامة تطمئني على محمود في الجنة وقلت «يارب نقطة مطر، حتى يطمئن قلبي»، وبعدها أمطرت السماء وتساقط المطر على قبره، بكيت من الفرحة، وسجدت لله حمدًا وشكرًا، وعندما خرجت من المقابر توقف المطر.


نرى في الخلفية صورًا لتكريمك من الرئيس عبد الفتاح السيسي فما القصة؟

سنة 2017 تلقيت اتصالا هاتفيًا من رئاسة الجمهورية تبلغني بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي يدعوني لحضور حفل تكريم أمهات الشهداء بفندق الماسة، وخلال الحفل كرمني الرئيس بلقب الأم المثالية، وعندما طلبت الذهاب إلى مقعده قال لي «استني يا أمي أنا اللي هجيلك»، وبالفعل أتى فقال «ادعي لي».

والدة الشهيد مع محرر الطريق

في عيدهم الـ70 ما الرسالة التي تريدين توجيهها لضباط الشرطة؟

أريد منهم أن يكونوا قدوة مثل محمود الذي لقبه زملائه بالضابط المحترم، ولو وجدتم فقيرًا جائعًا لا تسجنوه بل ابحثوا عن كيفية مساعدته، لأن الذي يسرق رغيف عيش يوجد سبب جعله يقدم على ذلك، فحاولوا معالجة السبب قدر استطاعتكم، وكل ضابط يضع رضا الله نصب عينيه ويبذل قصارى جهده ويترك الجزاء على المولى سبحانه وتعالى.

هل تم القبض على قتلة الشهيد محمود؟

بالفعل ألقت أجهزة الأمن القبض على المتسببين في استشهاد محمود وتم تقديمهم للمحاكمة التي أثلجت قلوبنا، وفي أثناء احتجازهم طلب شقيق الشهيد الذي يعمل رئيس مباحث، لقاء القتلة، لكن قادته كانوا قلقين من ذلك وبعد اصراره لبوا طلبه، وعندما دخل عليهم السجن قال لهم جملة واحدة «شكرًا لكم لأنكم كنتم سببًا في جعل أخي شهيدًا».

والدة الشهيد مع محرر الطريق

ما رسالتك لأمهات الشهداء؟

أقول لكل أم شهيد إن الضنا غالي لكن افرحي لأن إبنك مات شهيدًا، ولا تنس أننا جميعا سنلقى ربنا، والشهداء لهم منزلة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى وعسى أن يكون أبناؤنا شفعاء لنا يوم القيامة.

اقرأ أيضًا: في عيدها الـ 70.. كيف كانت تقسيمات الشرطة عند المصريين القدماء؟