الطريق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 12:38 مـ 17 ربيع أول 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

لبنان تحتاج إلى خطة إنقاذ بقيمة 93 مليار دولار لتخطي أزمة الديون والأزمات الاقتصادية.. كيف تدهور وضع سويسرا العرب؟

أرشيفية
أرشيفية

أصبحت لبنان محط تساؤلات بعد أزمة الديون وانفجار مرفأ بيروت وازدياد معدل الفقر والبطالة وانكماش الاقتصاد بعد جائحة كورونا، فكيف يمكن أن تتخطى لبنان هذه الازمات والانهيار الاقتصادي؟ قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف كيف تحول الحال بسويسرا الشرق إلى هذا التدهور المرعب؟ بعد أن كانت مركز توافد للموديعين بين دول العرب.

قانون السرية المصرفية المضاهي لقوانين سويسرا المصرفية

حصلت لبنان على استقلالها في نوفمبر سنة 1943، بعد مرور 23 سنة من وقوعها تحت الانتداب الفرنسي، بعدها حاولت لبنان الخروج تدريجيا من سطوة فرنسا عليها، وقامت بمحاولات لإنعاش البلد اقتصاديا دون اللجوء إلى فرنسا، ومن بين هذه القرارات " قانون السرية المصرفية".

وتم إقرار هذا القانون عام 1956 الذي اقترحه المحامي "ريمون إده" الذي كان مبهور بالنظام المالي والمصرفي بسويسرا والذي كان يضمن السرية الكاملة للعملاء، وكان هدفه هو تحويل لبنان إلى بنك عربي تتجه إليه الدول العربية لإيداع الأموال فيها، كما هو الحال في سويسرا " بنك أوروبا".

يمنع " قانون السرية المصرفية" البنوك من الإفصاح عن المعلومات المصرفية للعملاء، لأي جهة قضائية كانت أو إدارية أو مالية إلا في بعض الحالات المصرح بها، وكان لهذا القانون أثر إيجابي على وضع لبنان المصرفي وعلى اقتصادها ككل.

نجاح النظام المصرفي اللبنانين في جذب أثرياء العرب

ونجح النظام المصرفي بعد هذا القرار في جذب المليارات من دول مختلفة منها دول الخليج، التي كانت لديها سيولة دولارية كبيرة مع ظهور النفط فيها بكميات مهولة.

تضاعف الدخل القومي للبنان في الفترة ما بين 1950 إلى 1962 بمعدل سنوي يقترب من 4.5% بسبب تضاعف حجم نمو القطاع المصرفي بحوالي 200% زادت الودائع في البنوك لـ5 أضعاف، فكان القطاع المصرفي أهم قطاع في لبنان حينذاك لدرجة أن عدد البنوك تضاعف عدده بشكل ملحوظ، ففي سنة 1945 كان عدد البنوك 9 بنوك، وفي سنة 1962 وصل عدد البنوك إلى 85 بنك.

كما شهد اقتصاد لبنان استقرارا على كل القطاعات رغم التركيز على القطاع المصرفي، ولم تشهد ميزانية لبنان أي عجز في الموازنة حتى عام 1975، لذلك لم تلجأ لبنان إلى الاقتراض طوال تلك الفترة.

السياحة ثاني أكبر قطاع في لبنان بعد القطاع المصرفي

وساعد القطاع السياحي اقتصاد لبنان كثاني أكبر قطاع بعد القطاع المصرفي، ففي سنة 1974 زار لبنان 1.5 مليون سائح، مما ساهم في زيادة الدخل القومي بالإضافة إلى تحويلات اللبنانيين في الخارج وأغلبهم كان يعمل في الخليج.

اندلاع الحرب الأهلية في لبنان

كانت الأمور في مستقرة جدا على كافة الأصعدة، حتى اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، والتي لم تتوقف إلا في عام 1990، وراح ضحيتها أكثر من 100 ألف مواطن ونزوح مليون للخارج، وخرجت لبنان من هذه الحرب بتدمير كامل في البنية التحتية والصناعية وفي كل القطاعات.

أدى الدمار بسبب الحرب الأهلية في لبنان إلى تدهور في الاقتصاد والحياة المعيشية وحتى سعر العملة وخروج التضخم عن نطاق السيطرة، ففي سنة 1975 كان الدولار يساوي 2.75 ليرة لبنانية، وفي عام 1990 وصل الدولار إلى ما يوازي 700 ليرة، وفي عام 1992 وصل الدولار إلى ما يوازي 1700 ليرة، ورغم هذا التدهور الذي سببته الحرب إلا أن الوضع الاقتصادي سنة 1990 كان أفضل نسبيا مما هو عليه الآن.

لبنان تتجه إلى الاقتراض بعد انتهاء الحرب الأهلية

اضطرت الحكومة اللبنانية إلى الاقتراض أثناء اندلاع الحرب الأهلية للإنفاق على الخدمات العامة والأجوربعدما سيطرت بعض الميليشيات المسلحة على عدد من المرافق المهمة في لبنان وحرمت الحكومة من إيراداتها، ورغم ذلك كانت الديون في مستوى آمن بحيث تستطيع أن تتعامل الحكومة اللبنانية معها وتديرها.

بلغت ديون لبنان عام 1993 لـ6.65 تريليون ليرة ما يساوي 3.6 مليار دولار، والتي تعادل 50% من إجمالي الناتج المحلي للبنان، وكانت الديون المقومة بعملات أجنبية كانت لا تتجاوز 8.5 % وهي نسبة آمنة جدا.

مشروع " آفاق2000" لإعادة إعمار لبنان

وفي نفس السنة أطلقت الحكومة اللبنانية مشروع " آفاق2000" لإعادة إعمار لبنان، وكانت خطة الحكومة اللبنانية حينذاك لتمويل المشروع هو الاقتراض من البنوك اللبنانية في مقابل أن تبيع لهم سندات وأصول خزانة بفائدة مرتفعة، لكن مع تدهور سعر العملة اللبنانية "الليرة" اضطرت الحكومة عام 1997 إلى تثبيت سعر الصرف عند 1507.5 ليرة / دولار أمريكي، هذه القرارات شجعت البنوك اللبنانية على إقراض الحكومة دون ضوابط أو حدود.

لم تكتف الحكومة اللبنانية بما اقترضته من البنوك اللبنانية، واقترضت من البنوك الأجنبية سنة 1999 من خلال بيع سندات دولية والمعروفة باسم " Euro Bund"، وفي 2004 وبعد مرور 11 سنة من إطلاق مشروع " آفاق 2000" تخطت الديون اللبنانية حاجز الـ52.5 تريليون ليرة بما يعادل 34.8 مليار دولار ما يعادل 185% من إجمالي الناتج المحلي، هذا بالإضافة إلى أن 53% من الديون كانت بالعملة الأجنبية، مما وضع لبنان على أعتاب أزمة ديون لأنها لن تكون قادرة على سداد التزاماتها بعدما تخطت الديون الناتج المحلي الإجمالي.

لم يؤتي مشروع إعمار لبنان بثماره بسبب أن أغلب المشاريع التي قامت بها الحكومة كانت غير إنتاجية لا تحقق أي عائد، مما سبب ركود عام في لبنان وازدياد معدل البطالة والهجرة، ومع تفاقم أزمة الديون قامت فرنسا بعمل مؤتمرين باريس1 وباريس2 في نوفمبر 2001 لحل أزمة الديون في لبنان في عهد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك والذي تعهد خلالهم المجتمع الدولي بمنح لبنان 4.9 مليار دولار في مقابل أن تقوم الحكومة اللبنانية بقرارات منها خصخصة بعض الصناعات الرئيسية ورفع الضرائب وتخفيض النفقات.

عودة الحرب الأهلية في 2006 تدمر البنية التحتية بالكامل

ولكن عادت الحرب إلى لبنان في عام 2006 والتي تم فيها استهداف المطارات والجسور والطرق والمواني ومرافق الاتصالات السلكية واللاسلكية، وامدادات الوقود والكهربا، يعني تدمير كامل للبنية التحتية، هذا بالإضافة إلى انهيار الاقتصاد حتى تجاوزت خسائر هذه الحرب الـ15 مليار دولار.

وفي يناير 2007 نظم جاك شيراك مؤتمر باريس3 لدعم لبنان والذي حضره مانحين من كل دول العالم وتعهدت الدول التي حضرت المؤتمر بتوفير 7.6 مليار دولار لدعم لبنان في مقابل خصخصة قطاع الاتصالات والكهرباء ورفعت ضريبة القيمة المضافة ورفع الضريبة على فوائد ودائع البنوك وتقليل دعم الوقود، ورغم كل تلك القرارات فشلت لبنان في السيطرة على الديون، واستمرت الديون في التزايد للدرجة التي صرحت فيها الحكومة اللبنانية في مارس 2020 أنها غير قادرة على السداد، بعد عجزها عن سداد 1.2 مليار دولار في 2020 لأصحاب سندات الـ"Euro Bund" بعد وصول احتياطي النقد الأجنبي إلى مستويات حرجة، والسياسة التي كانت تتبعها الحكومة اللبنانية كأي دولة عندما تقترض من الخارج يكون عن طريق بيع السندات بفوائد كبيرة، وهذه السندات لها ما يسمى بتاريخ الاستحقاق وهو الوقت الذي تم تحديده لسداد هذه الأموال، ولكن الحكومة اللبنانية كانت عندما تعجز عن السداد تقوم بما يسمى التمديد، واستمرت هذه السياسة طوال السنين الماضية حتى فقدت السيطرة على الديون للدرجة التي وصل فيها الاحتياطي النقدي لمرحلة حرجة وعدم قدرتها على سداد التزاماتها.

استقالة الحريري تثير القلق حول استقرار لبنان

ومما زاد الوضع سوء، استقالة سعد الحريري في 2017 والتي تراجع عنها، هذه الاستقالة أثارت قلق الأثرياء بشأن استقرار لبنان، مما دفعهم لنقل أموالهم للخارج وانخفض حجم الودائع في البنوك التجارية في لبنان بسرعة كبيرة جدا للدرجة التي اضطرت فيها البنوك إلى رفع الفوائد على الودائع لمنع المواطنين من سحب ودائعهم وقللت حجم الإقراض مما ساهم في ضياع ثقة المواطنين في القطاع المصرفي.

ولجأت البنوك اللبنانية في 2019 إلى فرض قيود على عمليات السحب بالدولار، وأصبح الحد المسموح به لا يزيد عن 300 دولار في الأسبوع، وبعدها جاءت جائحة كورونا التي تسببت في انكماش الاقتصاد اللبناني بأكثر من 20 % في 2020 وانهيار العملة وارتفاع معدل الفقر والبطالة، ففي أغسطس 2020 صرحت الأمم المتحدة أن 55 % من الشعب اللبناني أصبح فقيرا وهذه النسبة تعتبر ضعف النسبة في 2019.

لبنان تحتاج لخطة بقيمة 93 مليار دولار لإنقاذ الاقتصاد

ومع وصول الديون في لبنان إلى 170% من إجمالي الناتج المحلي، أصبحت تحتاج إلى خطة إنقاذ بقيمة تتجاوز الـ93 مليار دولار، وتمتلك لبنان 287 طناَ مترياَ من الذهب، سعر الأوقية 1800 دولار أي ما يعادل 16.5 مليار دولار، ومع الحكومة الجديدة هناك محاولات مستمرة مع صندوق النقد الدولي لدعم لبنان بقروض بدون فوائد.

ويمكن وضع خطة تعتمد على خطوات مهمة لتحفيز الاستثمار وإنعاش الاقتصاد والتعامل الفوري مع أزمة البنوك ومن هذه الخطوات:

  • إنشاء لجنة طوارئ بالصلاحيات اللازمة لتسيير الاقتصاد، من أجل صياغة البرنامج، التفاوض حوله وتنفيذه.
  • استبدال الإجراءات غير المنظمة وذاتية الإدارة لتقييد حركة الأموال والتعاملات المصرفية، بحيث يتم إدارتها بطريقة مركزية
  • الإعلان الفوري عن تعليق سداد الديون (الخارجية والمحلية)
  • إحداث تحوّل في الإنفاق العام دون إهدار أو فساد ووضع برنامج إصلاحي شامل في مجالَي الحوكمة والتنظيمات بما يحدّ من الثقافة الريعية
  • التركيز بدرجة أقل على رفع الضرائب ومعالجة ضعف التحصيل والاعتماد المفرط على قطاعات محددة
  • اعتماد "قاعدة مالية" ملزمة تضع سقفاً لحجم عجز الموازنة في المستقبل.
  • إيجاد حلول لديون القطاع الخاص باتفاق بين الدائنين والمدينين على خطوات الإغاثة المالية
  • إقرار مسودة مشروع قانون بشأن إفلاس الشركات وإعادة هيكلتها
  • معالجة الميزانية العامة لمصرف لبنان وهو الدائن الأكبر للحكومة
  • إستعادة سلامة القطاع المصرفي وخفض أجزاء من الودائع الكبيرة ومبادلتها بأسهم في المصارف
  • السلم الاجتماعي بالتركيز على العدالة الاجتماعية وإنشاء شبكة أمان لمكافحة الفقر ودعم الخدمات الصحية والتربوية
  • تحرير سعر الصرف بنسب متفاوتة

في الواقع الوضع الاقتصادي في لبنان يحتاج إلى معجزة ليمر من الأزمات المتلاحقة، وهو اختبار مرعب لأي حكومة تدير لبنان!!.