الطريق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 11:34 مـ 17 ربيع أول 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

”لا تموت قبل أن تكون ندا”.. سيجارة شاب فلسطيني تواجه بنادق الإحتلال الإسرائيلي (صور)

الطفل محمود أثناء تعرضه للتفتيش من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي
الطفل محمود أثناء تعرضه للتفتيش من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي

منذ أن ولد، كانت أولى الكلمات التي تبادرت إلى مسامعه "الثورة، الإحتجاجات، الاحتلال"، وغيرها، تلك المعاني التي تجلت أمامه يومًا تلو الأخر فأدرك مغزاها كونه يعيشها بشكل يومي، لكن بقى معنى وحيد دونه معلمه في المدرسة، ومر على مسامعه في نشرات الأخبار، تحدث عنه أجداده في جلسات السمر، ما أثار خلايا عقله للنبش عنه، وهو معنى الحرية، الذي دفعه للخروج مع المسيرات ضد جنود الاحتلال للتنديد بصفقة القرن وخطة ضم بلدته الخليل إلي المناطق التي يسيطر عليها الاحتلال وهو بعمر الـ16.

 ويقف الطفل الفلسطيني محمود بديع للتفتيش شامخًا غير مبالٍ، منفثًا دخان سيجارته في وجوه من يحاولون التنكيل به وإذلاله، على الرغم من جسمه النحيل وطفولته التي سُرقت منه قبل ولادته، يصبح المشهد مشابه لكادرات الكوميديا السوداء التي تبعث برسالة فحواها "لا تموت قبل أن تكون ندا".

صور التقطها المصور الفلسطيني عامر الشلودي أثناء أحد هذه الاحتجاجات، للشاب محمود بديع الذي أوقفه جنود الاحتلال موجهين له سلاحهم بمنطقة باب الزاوية بمدينة الخليل للتفتيش، فما كان منه إلا أن يتظاهر بالقوة حتى لا يتعقبوه ويقومون بإعتقاله ويلقون به في غياهب سجونهم لقتل الثورة بداخله هو ومن مثله.

"كان مضحك".. كلمات وصف بها محمود بديع شعوره أثناء الصور التي لاقت رواجًا كبيرًا على موقع التواصل الإجتماعي، وأضاف: "لم ألقي السجارة لكي أرد لهم الإهانة التي تعرضت لها أثناء التفتيش من رفع التي شيرت وغيره كما هو موضح بالصور".

ويكمل: "وجدت في أعينهم نظرة خوف وهم يصوبون بنادقهم نحوى وأنا لا أحمل شيئا، نحنُ الصغار نقاوم بأشياء بسيطة كالحجارة لكي نصبح أحرارًا، على عكس الأجيال السابقة التي تركت منازلهم ولم يدافعوا عن الأرض ولن نستسلم حتى ننال الحرية.. هذه أحلامنا".

مشاعر عدة اختلطت بداخل بديع دويك والد الطفل محمود، حينما رأي صورة نجله وهو يدخن ما بين الخوف من تعقب جنود الاحتلال له والفخر بوقوفه شامخًا بينهم، حيث يقول: "نجلى لم يخبرني إلا عندما شاهدت الصور، لم أضربه كما توقع الكثيرون، وبخته لأنني لا أريد أن يذهب بثمن بخس، عندما شاهدت الصور شكرت الله على رحمته بأنه لم يضربونه على مكان عمليته في البطن وأن السجارة بقيت في فمه ولم تسقط على الأرض، لتناديه طفولته البرئية بإلتقاطها فيقوم أحد الجنود بإطلاق النارعليه وقتله بحجة طعن جندي أو أي كذبة وقصة يمكن اختلاقها".

كثيرًا ما ينتاب بديع دويك، الموظف بوزارة العمل بالخليل، والناشط ضد الاحتلال الإسرائيلي شعور الغضب تجاه حال مستقبل أطفال فلسطين الغامض، الذين يتم التنكيل بهم وقتلهم فقط لأنهم بغوا الحرية، ولكن كلما شعر بذلك عاود النظر إلي صور نجله حتى تتلاشى من امامه كل الصور والخيالات والمخاوف، وتبقي صورة واحدة فقط عالقة في ذهنه وهي صورة محمود الذي جسد شموخ الشعب الفلسطينين، ليقول: "أجيال فلسطين القادمة هم أملنا وأمل مستقبل فلسطين، يتجدد الأمل فيهم مثل طائر العنقاء الفلسطيني كلما ظن البعض أنه مات واندثر يخرج مرة أخري من بين الرماد يعلن ثورة الحياة من جديد".