مقهى خفاجي.. منتدى ثقافي نهارا وفصولا لمحو الأمية ليلا بالإسكندرية
عندما تطأ قدمك منطقة الورديان غرب الإسكندرية، وخاصة أمام أحد أبواب الميناء البحري، تقف لمشاهدة الحاويات التي تدخل وتخرج إلي ميناء الإسكندرية، ووسط هذا الضجيج ينبعث صوت كوكب الشرق من مقهى ذو جدران خشبية يتخللها الزجاج، كتب فوق سقفه لافتة تحمل "منتدى ومقهى خفاجى".
ذلك المقهى التاريخي الذي كان ومازال مقصدا لكثيرا من المفكرين والمبدعين ورجال الدولة، واحداً من بين معالم المدينة التي ترتبط بتراث ثقافي غير مدون لكنه محفور في ذاكرة وذكرى كل أبناء الإسكندرية وخاصة عمال الميناء والجمارك.
بدأ هذا المقهى في العمل في خمسينات القرن الماضي، وإختلفف عن باقي المقاهي لدوره في توطيد شبكة العلاقات بين المصريين واليونانيين العاملين بميناء الإسكندرية التجاري، فقد تحول إلى فصول لمحو الأمية وأيضاً مكتبة معرض لعرض الفنون التشكيلية لقاطني غرب الإسكندرية.
ورغم ما يسود من حوله من ضجيج للميناء وشركات النقل، ولكن عند دخول المقهى قد تجد أنك سافرت بين الأزمنة لتعود إلى زمن كوكب الشرق، مما يتسبب فى بهجة لكل الحاضرين.
صحف وصور قد زينت جدران المقهى ممن زاروها من مسئولين أو فنانين، وما نشر عنها في صحف فرنسية وإنجليزية وإيطالية، هكذا هو المشهد العام داخل المقهى.
وقال ذكري خفاجي، أحد أبناء مؤسس المقهى، والدي أسس المقهى وجعله منتدى ثقافيا وفي المساء فصولا لمحو الأمية، رغم كونه أميّاً لا يعرف القراءة والكتابة، وتحديدا فى عام 1952، ليلعب دوراً تثقيفياً، وحينما علم محافظ الإسكندرية في ذلك الوقت حمدي عاشور بدور المقهى قرر دعمه، وكان دائم الزيارة له، وشجعه على استكمال دور المقهى الثقافي، كذلك كان الفنان الوزير فاروق حسني أحد رواد المقهى، فكانت تُعقَد ندوات ثقافية ومعارض فنية، وأمسيات موسيقية.
وأضاف أن المقهى يحتفظ برونقه وتراثه منذ تأسيسه، من الكراسي الخشبية والمناضد الحديدية، مشيرا إلى أن الأخ الأكبر له بعد وفاته لم تعد مكتبة المقهي شاغرة بالكتب أو المجلات، حيث كان صديقا لكبار المثقفين بالإسكندرية، ولم يعد هناك إهتماما بالقراءة أو الثقافة.
وقال خفاجي، إن المقهى مقسم بطبيعة الحال إلى ركن للطلاب وأخر للمعاشات، وركن للمحامين وهكذا، مضيفا إلى أن الفنانين والكتاب كانوا روادا للمقهى، مقل الفنان الراحل محمود عبدالعزيز إبن منطقة الورديان، وكان المقهى مكانه المفضل، وكان في زياراته للإسكندرية لا بد أن يمر بنا، والفنان عصمت داوستاشي ومحمود السعدني.
وقد برز مقهى خفاجي في عدد من روايات الأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد، صاحب "لا أحد ينام في الإسكندرية"، وفي مقطع من روايته "الإسكندرية في غيمة".