الطريق
الإثنين 20 مايو 2024 02:24 مـ 12 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

حلو و مر في حياة ”البرئ” عاطف الطيب

جاء من الجنوب قادماً إلي العاصمة وهو يمني نفسه أن لا يضيع حلمه وسط الزحام، بوجه أسمر وابتسامة لا تفارق وجهه يسير بين البسطاء تربكه قضايهم، لا شئ يملكه سوى قلباً بين جلوعه مهموماً بالغلابة، وكاميرا ترصد ما يدور في الشوارع وخلف الأبواب المغلقة، ممسكاً بتلابيب واقعية صلاح أبو سيف، تعاطف مع أبطال أفلامه وصنعهم من قلب الواقع لتخرج شخوصه على الشاشة من لحم ودم، تجده يتعاطف مع "حسن" في "سواق الأتوبيس"، ويحاول مساعدة "منتصر" الذي يفشل في "الهروب"، بينما تحزنه نهاية "أحمد سبع الليل" في "البرئ"، هو صوت المهمشين وضميرهم الحي حتى لقبت أفلامه بـ"سينما الغلابة". هو أهم مخرجي الواقعية الجديدة أقصرهم عمراً وأكبرهم فناً، المخرج عاطف الطيب.

ولد عاطف الطيب في 26 ديسمبر 1947، بمركز المراغة في سوهاج لأسرة متوسطة الحال سافرت إلي القاهرة بحثاً عن الرزق ليستقر بهما الحال في حي بولاق الدكرور، وما إن حصل على الثانوية حتى التحق بالمعهد العالي للسينما في 1966 بقسم الإخراج.

عمل مساعداً للمخرج محمد بكير خلال دراسته بالمعهد في فيلم " 3 وجوه للحب" 1969، وتخرج من المعهد في 1970، وفي نفس العام التحق بالجيش وقضى 5 سنوات شارك خلالها في حرب أكتوبر 1973، وخلال أداءه الخدمة العسكرية قدم أول فيلم تسجيلي له "جريدة الصباح" 1972، بعده عمل كمساعد مخرج مع عدد من أهم المخرجين أبرزهم محمد بسيوني في فيلم "ابتسامة واحدة تكفي" وشادي عبد السلام في فيلمي "جيوش الشمس" والمقايضة"، ومع يوسف شاهين في فيلم "إسكندرية ليه".

بينما عمل كمساعد مخرج في عدة أفلام أجنبية كان يتم تصويرها في مصر آنذاك أبرزها "توت عنخ أمون، الجاسوس الذي أحبني، جريمة على النيل، الصحوة، أبو الهول"، وجاءت الإنطلاقة مع أول أفلامه الروائية الطويلة "الغيرة القاتلة" 1982 بطولة نور الشريف، وفي نفس العام قدم له واحداً من أهم أفلامه "سواق الأتوبيس" الذي نال عنه "الشريف" جائزة أفضل ممثل في مهرجان نيودلهي، واقتنص "الطيب" جائزة العمل الأول في مهرجان أيام قرطاج السينمائية.

كون "الطيب" ثنائياً مع نور الشريف بطل أفلامه الأول أثمر عن 7 أفلام آخرى هي "الزمار" 1985، و"ضربة معلم" 1987، و"قلب الليل" و"كتيبة الإعدام" 1989، و"دماء على الأسفلت" و"ناجي العلي" 1992، و"ليلة ساخنة" 1995.

كان يرى بعين الموهوب والمحب للسينما القدرات الأدائية للممثل ويصنع بفنه أسطورة الكبار، وحملت توقيعه أهم 5 أفلام في مسيرة أحمد زكي، وكانت البداية من "التخشيبة" 1984، وتوالت الأفلام "الحب فوق هضبة الهرم" و"البريء" 1986، و"الهروب" 1991، و"ضد الحكومة" 1992، ليعيد من خلاله اكتشاف أبو بكر عزت في دور "الدكتور عبد النور" من جديد، ويفجر قدرات لبلبة التمثيلية.

لم يتوقف تعاونه مع الكبار وقدم مع محمود عبد العزيز "أبناء وقتلة" 1987، و"الدنيا على جناح يمامة" 1989، ومع ليلى علوي "البدرون" و "ضربة معلم" 1987، و"إنذار بالطاعة" 1993، و"كشف المستور" 1994 مع نبيلة عبيد.

ضمت ثنايا أفلام "الطيب" كبار الكتاب أثمرت عن 5 أفلام مع صديق العمر بشير الديك هي "ضد الحكومة، سواق الأتوبيس، ناجي العلي، جبر الخواطر، ضربة معلم"، ومع وحيد حامد 5 أفلام "البريء، التخشيبة، ملف في الآداب، الدنيا على جناح يمامة، كشف المستور"، و 3 أفلام من كتابة مصطفى محرم "الحب فوق هضبة الهرم، الهروب، أبناء وقتلة".

كانت مسيرة عاطف الطيب لا تتوقف يكافح من أجل صنع فيلم يظهره للنور وكأن قلبه قد أخبره بقرب نهاية الرحلة، ففي أثناء تصوير فيلم "الهروب" لم يتحمل قلبه التعب بعد عدد ساعات تصوير تجاوزت الـ 18 ساعة في اليوم الواحد وسقط على الأرض بعدما أشتد عليه المرض وبعد أن أفاق من غيبوبته طلب من طاقم العمل استكمال التصوير ما دفع أحمد زكي أن يتظاهر أمامه بالتعب لكي يجبره على وقف التصوير.

"معلش يا محمد مش هقدر أصور السبت الجاي خلي التصوير الأسبوع اللي بعده علشان عندي مشكلة بسيطة رايح أغير صمام القلب" جملة يقولها بمنتهي الهدوء والطيبة لمساعده المخرج محمد ياسين أثناء تصوير فيلم "جبر الخواطر" من بطولة شريهان وما إن انتهى من تصوير آخر مشاهد الفيلم حتى دخل لإجراء العملية الجراحية ولكن قد حان الوقت لقلبه أن يستريح، وتوفي في 23 يونيو 1995، وتولى المونتير أحمد متولي مونتاج الفيلم الذي عُرض في 1998 بعد 3 سنوات من وفاته، بينما عاش له21 فيلما هي حصيلة سنوات من التعب والحلم حارب من خلالها الفقر وانتصر لقليلي الحيلة تشهد على موهبته وفنه، وعاشت جملته الخالدة "لا شئ يبهرني في هذا العالم إلا زوجتي والسينما".